هنا اليقظة المرعبة، يقظة هؤلاء الشبان الذين درسوا في أوربا وجاءوا ينشرون في البلاد الإسلامية لواء حضارة الغرب، ما هذا؟ إلى أي حضيض يهوي أهل الحضارة؟ كيف تطوع لهم ضمائرهم أن يستخدموا العلم الإنساني لإذلال الإنسانية وإهدار كرامتها؟
وكيف تظل أوربا على تعصبها الديني الذي انبعثت جنودها في القرون الوسطى باسمه لمحاربة المسلمين؟
وكيف تسيغ أوربا في سبيل الحياة المادية وترفها أن تحول بين شعوب كاملة. بل بين عالم بأسره وبين النور القدسي الذي يضيء به الله الأرواح والقلوب عن طريق العلم والمعرفة وكيف تطمع المسيحية في أن تكتسح الإسلام وهو أسمى الأديان التي دعت إلى الحرية الحقة ما أخذ في صفاء جوهره وما نفيت عنه هذه الترهات التي أضيفت إليه على أنها منه وليست منه.
وقامت لذلك في نفوس الذين ألقي إليهم النهوض بأعباء الحركات القومية التي اهتزت بها أمم الشرق في أعقاب الحرب ثورة على هذه الأساليب التي لجأ إليها الغرب، وجعل كل يفكر.
والذين يقومون بأمر الصحف في الشرق ويؤيدون هذه الأفكار الثائرة على الغرب وعلى استعماره وتبشيره كثرتهم الساحقة إن لم نقل كلهم من الذين تعلموا علوم الغرب وكانوا يبشرون بحضارته ومن الذين يؤمنون ما يزالون بأن الأساس الذي قامت عليه: حرية العقل والتفكير وحرية البحث العلمي هو خير أساس تقوم عليه حضارة على أن لا ينكر هذا الأساس حاجات الروح للاتصال بالعالم على أنه فكرة لا على أنه آلة. وعلى أن لا ينكر على العاطفة وعلى وحي النفس وإلهام الفؤاد سلطانها في الحياة.