ثم أشار الدكتور هيكل إلى هذا التحول من جانبه وجانب زملائه فقال: وليس أدل على ذلك مما لاحظه الأستاذ جب وزملاؤه مؤلفو "وجهة الإسلام" من أن كثيرين من الشبان الذين حملوا لواء الحضارة الغربية وصاروا يبشرون بها قد عاد الكثيرون منهم يشعرون شعورا قويا صادقا بأنهم في حاجة إلى أكثر مما تمدهم الحضارة الغربية به، وأنهم لذلك يجب أن يلجئوا إلى تراث السلف من المسلمين لالتماس ما ينقص هذه الحضارة الجديدة.
وزادهم شعورًا بهذا النقص أن رأوا الفكرة القومية تقوم في الغرب على نضال اقتصادي عنيف لا يعرف هوادة ولا يقف في وجهه اعتبار من قواعد الخلق أو من الإخاء الإنساني أو من المودة والرحمة. نضال في سبيل المادة بين أهل البلد الواحد وبين الدول المختلفة هو الذي كان مثار الحروب ومثار أسباب الشقاء والتعس في هذا العصر من عصور الإنسانية فهل ترى يجد العالم في تراث الماضي ما يشفي غلة روحه مما عجزت الحضارة الغربية عن أن تقوم به وما يقيم حياة جديدة وحضارة جديدة ليس فيها هذا الجشع المادي الفظيع الذي يهوي بالإنسان إلى مرتبة لا ترضاها النفس الفاضلة. إن هذا التراث قد اختفى تحت طبقات وطبقات من أباطيل عصور الانحلال الذي أصاب العالم الإسلامي قرونا متواصلة. فليكن من عمل رجال العالم الإسلامي أن يزيحوا أكداس هذه الطبقات وأن يعيدوا إلى الوجود في إحدى صور الوجود وعلى طريقة علمية صحيحة ما يشتمل عليه هذا التراث الذي غزا العالم وغذاه بأدوات الحضارة أجيالا وقرونا طويلة.
عند هذه النقطة يقف العالم الإسلامي اليوم، ومظهرها الواضح الصريح أن أولئك الذين كانوا دعاة الحضارة الغربية وحملة أعلامها والذين بلغوا