فلا يجب أن يسمع هذا اللغو الذي هو مدح العرب وسبحان من جمع بين عمى البصائر وعمى الأبصار وأولهما أشد وأدهى.
يعلم الله أننا كنا نحب أن لا نستعمل لهذه الطائفة مثل هذه الألفاظ ولكن وقاحتهم على الوطن والدين واللغة والإخلاص والصيانة والقومية، وما أشد ذلك تجاوزت حدها فأصبح من الواجب على كتاب الوقت أن يضعوهم حيث وضعوا أنفسهم وأن يصبوا السخن على هذه الجراثيم الفاسدة للتخلص من سر عدواها.
ومنهم من لا تصل به الحماقة إلى هذا الحد، ولكنه ينقب في الكتب والآثار حتى إذا وجد كلمة يقدر أن يغمز بها العرب ولو من طرف خفي وقع عليها وأخذ يستنتج ويقيس ويذهب إلى بعيد، وكان مرماهم الأصلي هو سلب العرب محاسنهم التي حلا بها التاريخ، فإن لم يمكن سلبهم بعضها وأي شيء وجده في هذ المعنى عدوه ربحا. فترى الواحد منهم يذكر فلاسفة العرب وأطباءهم أو الكمياويين منهم وهو يشير إلى أن هذا كان نصرانيا وذاك يهوديا وذاك صابئا أو حرانيا, على أن هؤلاء العلماء كلهم بعد أن كتبوا مؤلفاتهم بالعربية لم تعرفهم الدنيا إلا عربًا.
والتحامل كل التحامل هو قول بعضهم أن العرب كانت علومهم كلها مبنية على الأسلوب الغيبي وأنهم لم يعرفوا التجربة في العلم, كلمات ينقلونها عن بعض المؤلفين الأوروبيين الذين لا يريدون أن يعترفوا بفضل الشرقيين، أو بعض مؤلفيهم الذين لم يفهموا تاريخ العرب حق الفهم. ومن الغريب أن هذه الفئة إذا حاجها الإنسان بأقوال وشواهد من أناس من المستشرقين الأوروبيين كان جوابهم أن المستشرقين هؤلاء من دأبهم المبالغة وهم لتعلمهم اللغة العربية أحبوها وصاروا يزينون كل شيء عربي.