للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدين حين يثبت وجود الله ونبوة الأنبياء يثبت أمرين لم يستطع العلم إلى الآن أن يثبتهما. فالعلم لم يصل بعد إلى إثبات وجود الله ولم يصل بعد إلى إثبات نبوة الأنبياء وإذن فبين الدين والعلم خصومة في هذين الأمرين.

ثم إن العلم لا ينفيهما أو هو لا يعرض بنفيهما أو إثباتهما, وإنما ينصرف عنهما انصرافا تاما إلى ما يمكن أن يتناوله بالبحث والتمحيص.

هذا أمر والأمر الثاني هو أن الكتب السماوية لم تقف عند إثبات وجود الله ونبوة الأنبياء، وإنما عرضت لمسائل أخرى يعرض لها العلم وبحكم وجوده لا يستطيع أن ينصرف عنها، وهنا يظهر تناقض صريح بين نصوص هذه الكتب السماوية وما وصل إليه العلم من النظريات والقوانين، وأمر ثالث هو أعظم من هذين الأمرين خطرًا وأبعد منهما في تحقيق الخلاف أثرًا ذلك أن العلم لم يقف عند هذا اللون من ألوان الخلاف وإنما طمع في أن يخضع الدين لبحثه ونقده وتحليله، وهو لا يحفل الآن بأن التوراة تناقضه أو لا تناقضه وإنما يزعم أن له الحق في أن يضع الدين نفسه موضع البحث وقد فعل.

وصديقنا هيكل لا يجهل أن العالم ينظر إلى الدين كما ينظر إلى اللغة, وكما ينظر إلى الفقه وكما ينظر إلى اللباس من حيث إن هذه الأشياء كلها ظواهر اجتماعية يحدثها وجود الجماعة, وتتبع الجماعة في تطورها، وتتأثر بما يتأثر به الجماعة.

إذن فالدين في نظر العلم الحديث ظاهرة كغيره من الظواهر الاجتماعية لم ينزل من السماء, ولم يهبط به الوحي وإنما خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها.

<<  <   >  >>