كيف كنا صديقين حميمين ثم وقعت الجفوة بيننا وحلت النبوة وتعادينا وأساء كل منا إلى صاحبه ومضى خير عمرينا إلى قطيعة سخيفة، ولعلي ما ندمت على شيء في حياتي كندمي على ما فرط مني في حقه, ذلك أني أحبه ولا أستطيع أن أجحد فضله علي، نعم كنا زميلين في المدرسة ولكن كان ناضجا وكنت فجا، وكان أديبا شاعرًا واسع الاطلاع، وكنت جاهلا ضعيف التحصيل قليل العقل فتناول يدي وشد عليها وأبت مروءته أن يتركني ضالا حائرًا أنفق العمر سدى وأبعثر في العبث ما هو كامن في نفسي من الاستعداد وكنت أقرأ ابن الفارض والبهاء زهير فأقرأني شعر الحماسة وشريف الرضي والبحتري والمعري وابن المعتز.
وكانت مطالعاتي في الإنجليزية قاصرة على أمثال ماري كوريللي ومن نسيت غيرها ففتح عيني على شكسبير وبيرون وردز ورث وشيللي وبينز وملتون وهازيلت وكارليل ولي هنت وماكولي وشيلي وراين وروسو ومئات غيرهم, وصرفني عن المقلدين في أدب كل أمة وأغراني بأصحاب المواهب والابتكار وصحح لي المقاييس وأقام الموازين الدقيقة وفتح عيني على الدنيا ومن فيها وكنت عميا لا أنظر وإذا نظرت لا أرى، وكان لفرط أدبه يتوخى معي سلوك الند ولا يتعالى تعالي الأستاذ على التلميذ وكنت فقيرًا فكان يعيرني الكتب أو يهبنيها, وكنت غبيا فكان يشرح ويفسر.
ولما نفخني وأعداني فقلت الشعر كان يصرفني عن العبث ويزجرني عن التقليد ولا يرضى لي الضعف؛ ولو أردت أن أنقضي لما فرغت وأنا مدين له