للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طه حسين:

إن الأستاذ العقاد أراد أن يرتحل بأبي العلاء بعد أن بعثه بعثًا جديدًا وأن يطوف به في أقطار الأرض فلم يصنع شيئا وإنما ارتحل به في طائفة من الكتب التي قرأها وفي ألوان العلم الذي أحاط به وفي فنون من الآراء التي أتقنها واستقصاها, ذلك لأن الأستاذ العقاد نفسه لم يرتحل ولم يطوف في أقطار الأرض, وإنما ارتحل وهو مقيم وطاف وهو مستقر، وعرف الدنيا وهو لم يتجاوز حدود مصر، وعند الأستاذ العقاد أدب وعلم وفلسفة، فقد ملأ يديك أدبا وعلما وفلسفة، ولكنه لم يرتحل إلى أوربا ولا أمريكا، فلا يستطيع أن يرحل بك ولا بأبي العلاء في ألمانيا وفي روسيا وفي السويد والنرويج والدانمارك وفي بلاد الإنجليز وإسبانيا وفي أمريكا ولكنه لا يريك سيرهم وينتهي بك إلى مصر فيظهرك منها على طبيعتها الرائعة ونهرها الجميل، ذلك لأنه يعرف مصر وقد رآها رأي العين فهو قادر على أن يعطيك منها شيئا، وهو أمين كل الأمانة لا يستطيع أن يعطيك من أوربا ولا من أمريكا لأنه لا يعرفهما، أستغفر الله وأستغفر الأستاذ العقاد، بل لأنه لم يرهما رأي العين ولم يلم بها إلا من طريق الكتب.

"رد العقاد":

من المتفق عليه أن أبا العلاء المعري لو كان حيا وساح في الأرض لما كان غرضه من السياحة أن يكتب لنا دليلا من كتب السياحة، وإنما تعنيه مشكلات العقائد والأخلاق التي كان يعنى بمثلها في الحياة، وليست هذه المشكلات والعقائد مقصورة على المسافرين دون المقيمين.

على أننا نعود فنسأل: أين هي المشاهد التي لا يراها الإنسان إلا بالانتقال

<<  <   >  >>