وأجيب بأنه يستحق ذلك الاستحقاق، فما ينكر أحد أن لهذا الرجل شخصية قوية، وأنه استطاع أن يكون غرضا ترميه الأقلام، وهذا دليل على ماله من وجود ملحوظ.
ومن مظاهر القوة في هذا الرجل أنه تماسك في أزمات كثيرة، وأنه عرف كيف يقارع الأحداث والخطوب, حتى أصبح رجلا يحسب له حساب.
ومن مظاهر القوة أيضا في هذا الرجل أنه حلو المودة، مر العداوة، يضر وينفع، وبعض الناس تغلب عليهم التفاهة فلا ينفعون ولا يضرون.
ولا يمكن أن نعرف قيمة الدكتور طه إلا إن نظرنا في مهارته الأدبية، وبيان ذلك أن هذا الرجل قليل المحصول، ولعلي لم أر في حياتي رجلا قليل العلم مع الصيت البعيد، كما رأيت طه حسين، ومع قلة محصوله العلمي نراه يتكلم كلام المحققين، ويمضي فيبني ويهدم، ويبرم وينقض، كأنه عالم محقق أخذ بنواحي المعارف الإنسانية في القديم والحديث، وهذا لا يقع إلا من رجل وصل في المهارة إلى أبعد حدود.
يضاف إلى ذلك كله لسان يحكي ملاسة المرمر، وليونة الماء، فإذا سمعت طه حسين وهو يحاضر شعرت بأنك أمام إنسان يملك ناصية الحديث، وليس ذلك بالقليل.
ولكن للشخصية العلمية شيء غير ذلك، فالدكتور طه الذي يضر وينفع ويبرم وينقض، ويحدث فيحسن الحديث، هذا الرجل قد انهزم في الميادين العلمية، ولم يظفر من المجد الأدبي بأيسر نصيب, وأعيذكم أن تفتنوا بأنه ألف أقصوصة اسمها "الأيام" نشرها الهلال ثم ترجمت إلى الإنجليزية والروسية، فإن تأليف الأقاصيص ليس من الفنون العالمية، وإنما هو فن