الذي يبدو لي أن حياة الدكتور طه حسين الأدبية حتى الآن تقع في قسمين بينين:
فالقسم الأول هو ما يجوز أن تدعوه دور الجرأة على الأساليب والآراء القديمة, وهي جرأة نلمس فيها حب الدهش والمفاجأة والظهور أكثر من الحرص المتزن على إبراز الحقيقة.
في هذا الدور ألف كتاب في الشعر الجاهلي، والحق أن الكتاب في حد ذاته يسير الابتكار، فالمستشرقون قبل الدكتور طه حسين كتبوا ما كتب بصورة أقوى علمًا, ثم إن كون الشعر الجاهلي منحولا أو غير منحول قضية قليلا ما هي خطيرة، ولكن طارئًا طرأ فخرج الدكتور طه حسين من هذا الدور الأول من حياته إلى دوره الثاني اليوم، هناك كثيرون من الكتاب في مطلع حياتهم الأدبية خلعوا على أنفسهم جبة الجرأة, لماذا؟ لأن الجرأة في الكتاب كما هي في غيرهم فضيلة، أقول: إن كثيرا من الكتاب يخلعون على أنفسهم جبة الجرأة من أجل هذا المورد, مورد الشهرة فإذا ظفر أولئك الكتاب بما يطمعون فيه عمدوا إلى طرح جبة الجرأة عنهم وهم يعتقدون أن سوقهم نافقة.
أجل إن كثيرين من الكتاب يصيرون في دور من أدوارهم إلى استغباء القراء أو استحمارهم إذا صح الاشتقاق.
المفروغ منه أن الدكتور طه حسين لبس جبة الجرأة في دوره الأول.