للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القاضي عياض: "فمثل هذا وأشباهه من أمور الدنيا التي لا مدخل فيها بعلم ديانة ولا اعتقادها ولا تعليمها، يجوز عليه فيه ما ذكرنا (١) إذ ليس في هذا كله نقيصة ولا محطة، وإنما هي أمور اعتيادية يعرفها من جربها، وجعلها همه وشغل نفسه بها، والنبي مشحون القلب بمعرفة الربوبية ملآن الجوانح بعلوم الشريعة، مقيد البال بمصالح الأمة الدينية والدنيوية، ولكن هذا (٢) إنما يكون في بعض الأمور، ويجوز في النادر فيما سبيله التدقيق في حراسة الدنيا واستثمارها، لا في الكثير المؤذن بالبله والغفلة" (٣).

وكذلك الأمر بالنسبة لأحكام البشر الجارية على يديه وقضاياهم، ومعرفة المحق من المبطل، وعلم المصلح من المفسد، فهذه أمور اجتهادية يجتهد فيها برأيه فقد قال : "إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحوما أسمع منه فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار" (٤).

قال القاضي عياض: "وتجرى أحكامه على الظاهر وموجب غلبات الظن بشهادة الشاهد، ويمين الحالف، ومراعاة الأشبه، ومعرفة العفاص والوكاء مع مقتضى حكمة الله في ذلك" (٥).

فاقتضت حكمته تعالى أن لا يكون معصومًا في هذا الجانب


(١) أي من وقوع الخطأ.
(٢) أي الخطأ.
(٣) الشفا (٢/ ٨٧٢، ٨٧٣).
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الشهادات، باب من أقام البينة مع اليمين.
انظر: فتح الباري (٥/ ٢٨٨) ح ٢٦٨٠. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية: باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، واللفظ له (٥/ ١٢٨، ١٢٩).
(٥) الشفا (٢/ ٨٧٥).

<<  <   >  >>