للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قَبوله بدليل يوجب ذلك فأنت مقلده، وكل من أوجب الدليل عليك اتباع قوله فأنت متبعه.

والاتباع في الدين مسوغ، والتقليد ممنوع (١).

والتقليد الممنوع على ثلاثة أشكال:

أحدها: الإعراض عما أنزل الله وعدم الالتفات إليه اكتفاء بتقليد الآباء أو المشايخ.

الثاني: تقليد من لا يعلم المقلد أنه أهل لأن يؤخذ بقوله.

الثالث: التقليد بعد قيام الحجة وظهور الدليل على خلاف قول المقلد.

ولقد حارب السلف هذا النوع من التقليد وذمّوه واعتبروه مزلقًا خطيرًا يحرِّف المسلم وينحيه عن المنبع الذي يستمد منه دينه، ويجعله عرضة لكل بدعة، ومنقادًا لكل شبهة، وتبعًا لكل ناعق، وإضافة إلى ذلك فإن التقليد له صلة وثيقة بالبدعة، فالبدعة تؤخذ في غالب الأمر تقليدًا لشيخ يعظم أو والد يحترم أو مجتمع تقدس فيه عاداته، ولذلك كان التقليد والابتداع سببين رئيسيين في ضلال الأمم وانحرافها عن منهج أنبيائهم.

وقد حكى الله في كتابه العزيز عن بني إسرائيل أنهم سألوا موسى أن يجعل لهم إلها من الأصنام مقلدين في ذلك من مروا عليهم من عباد الأصنام، قال تعالى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩)[الأعراف]، كما ذكر سبحانه أن ما وقع فيه اليهود


(١) إعلام الموقعين (٢/ ١٩٧).

<<  <   >  >>