للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥)[النساء]: "قوله: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى﴾؛ أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول فصار في شق والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح، وقوله ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ هذا ملازم للصفة الأولى ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع وقد تكون لما أجمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقًا، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفًا لهم وتعظيمًا لنبيهم، وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك .....

ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله: ﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾؛ أي: إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجًا له كما قال تعالى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤)[القلم]، وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ الصف: ٥]، وقوله: ﴿وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام].

وجعل النار مصيره في الآخرة، لأن من خرج عن الهدى لم يكنله طريق إلا إلى النار يوم القيامة (١).

ولقد ذكر الله في كتابه العزيز عددًا من قضايا المخالفة وعلى رأسها التحاكم إلى غير ما أنزل الله، فهذا الداء من أعظم المخاطر وبخاصة في زماننا هذا الذي طرح فيه كثير ممن ينتمون إلى الإسلام كتاب الله وسنة نبيه وراء ظهورهم، واعتاضوا عنهما بقوانين الكفار وآراء ابتدعوها تقوُّلًا على الشريعة حتى جعلوا لتلك القوانين


(١) تفسير ابن كثير (١/ ٥٥٤، ٥٥٥).

<<  <   >  >>