للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سمعك لا يعروك منه على كثرة ترداده ملل ولا سأم. هذا الجمال في لغة القرآن لا يخفى على أحد ممن يسمع القرآن حتى الذين لا يعرفون لغة العرب فكيف يخفى على العرب أنفسهم. إنه النظام الصوتي البديع الذي قسمت فيه الحركة والسكون تقسيمًا منوعًا، ووزعت في تضاعيفه حروف المد والغنة توزيعًا بالقسط يساعد على ترجيع الصوت به وتهادي النفس فيه آنًا بعد آن.

٢- وإذا ما قربت أذنك قليلًا قليلًا فطرقت سمعك جواهر حروفه خارجة من مخارجها الصحيحة فاجأتك منه لذة أخرى في نظم تلك الحروف ورصفها وعلاقاتها مع بعضها، فهذا ينقر وهذا يصفر وذاك يهمس وذلك يجهر وآخر ينزلق عليه النفس، وآخر يحتبس عنده النفس وهلم جرًّا، فترى الجمال اللغوي ماثلًا أمامك في مجموعة مختلفة مؤتلفة.

من هاتين الصفتين السابقتين تتألف القشرة السطحية للجمال القرآني، وليس الشأن في هذا الغلاف إلا كشأن الأصداف مما توحيه اللآلئ النفيسة؛ فاقتضت حكمته تعالى أن يصون معاني القرآن الكريم السامية بألفاظ عذبة تغري بطلاوتها، وتكون بمنزلة "الحداء" يستحث النفوس على السير إليها، ويهون عليها عناء السفر في طلبها، لا جرم اصطفى لها من هذا اللسان العربي المبين ذلك القالب العذب الجميل، ومن أجل ذلك سيبقى صوت القرآن أبدًا في أفواه الناس وآذانهم ما دامت فيهم حاسة تذوق وحاسة تسمع وإن لم يكن لأكثرهم قلوب يفقهون بها حقيقة سره، وينفذون بها إلى بعيد غوره.

ثانيًا: المعاني:

فإن لم يلهك جمال القشرة البادية عن سامي المعاني المستترة، فكشفت الصدفة عن درها، ونفذت من هذا النظام اللفظي إلى ذلك النظام المعنوي تجلى لك ما هو أبهى وأبهر، ولقيت ما هو أروع وأبدع، ولا تحسبن ذلك الأمر لا يظهر أمره إلا في مجموع القرآن، بل يظهر ذلك في

<<  <   >  >>