واحد، ولغتهم في الأصل كانت واحدة، فإن النظام الخاص الذي سار عليه كل منهم في الحياة والمعيشة، كفيل بأن يجعل كُلا منهم يتخذ لنفسه أسلوبًا خاصًّا في التعبير، وكيفية النطق بالألفاظ وأصواتها المختلفة، فلا شك حيئنذ في أن عربية كل من القسمين دخلها بمرور الزمن وظروف الحياة بعض التغييرات، فكان هناك بعض الاختلاف بين عربية الجنوب وعربية الشمال، وقد عبر عن ذلك أبو عمرو بن العلاء بقوله:"ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا، ولا عربيتهم بعربيتنا"١. وكل من هذين القسمين الكبيرين قد تكاثر فتعددت قبائله، وتبع ذلك أن صار لكل قبيلة لهجة خاصة، بينها وبين غيرها من أخواتها اللهجات الأخرى، بعض الاختلاف في دلالات الألفاظ، ومدلولات المعاني، والأصوات، والنطق بها، كما هو المشاهد في جميع الأقطار في شتى العصور، حتى في أرقى الأمم وأعظمها تقدمًا، ففي كل قسم أو محافظة، أو حي تشيع لهجة محلية خاصة؛ فمرور الزمن، واختلاف الظروف، مع ما في الإنسان من ميل غريزي إلى أن تكون له شخصية مميزة عن غيره، كل ذلك يستلزم حدوث بعض الاختلافات بين اللهجات المحلية، وإن اتحدت جميعها في الأصل الذي نبعت كلها منه. فالعرب قبل الإسلام كانت لهم لهجات كثيرة بسبب تعدد القبائل وانتشارها في بيئات متعددة مختلفة، وكان بين هذه اللهجات المتعددة اختلاف في الحركات أو الإعراب أو الحروف أو الكلمات أو نحو ذلك، وقد حاول ابن فارس في كتابه "الصاحبي" أن يضبط اختلاف لهجات العرب، فقال:"اختلاف لغات العرب من وجوه: وذكر من ذلك:
الاختلاف في الحركات، كقولنا نستعين بفتح النون وكسرها. قال الفراء: هي مفتوحة في لغة قريش وأسد، وغيرهم يقولونها بكسر النون.
والاختلاف في الحركة والسكون، مثل قولهم معَكم ومعْكم، بفتح العين وتسكينها.
والاختلاف في إبدال الحروف، نحو أولئك وأولالك. ومنها قولهم: أن زيدًا وعَنَّ زيدًا، ومن ذلك الاختلاف في الهمزة والتليين نحو مستهزئون ومستهزون.
والاختلاف في التقديم والتأخير نحو صاعقة "في لغة الحجازيين" وصاقعة "في لغة التميميين".
والاختلاف في الحذف والإثبات، نحو استحييت واستحيت. وصددت وأصددت.