وبجانب هذه الأغراض الشعرية التي سبق بيانها، كانت هناك مجالات واسعة للشعر الجاهلي في نواحي الحياة وأحوال الناس المختلفة، ومن أشعارهم في هذه المجالات تتبين بوضوح ظروفهم وأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم، وصلاتهم ومعاملاتهم، وما ينزل بهم من أحداث، وما يحسونه من متاعب وآلام، وما يرجونه من آمال وأحلام، وما يجول بخواطرهم من أفكار، وما يدور بجوانحهم من نظريات وآراء، وما يرون فيه الخير من توجيهات وإرشادات.
وقد سبق أن ذكرنا في أكثر من موضع، أن السمة الغالبة على شبه الجزيرة العربية في ذلك العصر القحط والجدب بسبب الجفاف، فانتشر الفقر والجوع، ولهذا كان تقديم الطعام والشراب للجائع والعطشان من أعظم المكرمات في ذلك الحين، إذ ليس هناك أعظم قدرًا لدى الإنسان مما يحفظ عليه حياته وينقذه من براثن الموت والهلاك، ومن ثم افتخروا ومدحوا بالكرم والجود والسخاء وإكرام الضيفان، وذموا وهجوا بالبخل والشح والحرص. ولأن جزيرتهم كانت صحراء واسعة الأرجاء مترامية الأطراف، وسكانها متباعدون