بدأ معلقته بالحديث عما صارت إليه ديار الحبيبة، فقد هجرت منذ عشرين سنة، فأصبحت دمنًا بالية وآثارها خافتة، وسكنها البقر والظباء وأولادها، فكن ما بين قائمات ونائمات وماشيات، وحدانًا وأفواجًا، مقبلة مدبرة، وصاعدة ونازلة، وقد تغيرت المعالم تمامًا لدرجة أنه لم يعرفها إلا بعد وقت طويل، فلما تأكد منها، هتف محييًا ودعا لها بالنعيم والسلام.
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ... بحومانة الدراج فالمتثلم
ديار لها بالرقمتين كأنها ... مراجع وشم في نواشر معصم
بها العين والأرآم يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وقفت بها من بعد عشرين حجة ... فلأيًا عرفت الدار بعد توهم
فلما عرفت الدار قلت لربعها ... ألا انعم صباحًا أيها الربع واسلم
ثم عاد بالذاكرة إلى الوراء يسترجع ساعة الفراق، فصور الموكب بأن الرحلة بدأت في السحر واتجهوا مباشرة نحو وادي الرس، فاخترقوا بذلك كثيرًا من الأماكن وكم فيها من الأعداء والأصدقاء، وعلى الموكب دلائل النعيم والترف، فقد حليت الهوادج بالأقمشة الحمراء الثمينة، والستائر الرقيقة الغالية، وفرشت الرحال بالأثاث الفاخر، وفي كل مكان نزلوا فيه للراحة تركوا آثارًا من الصوف الأحمر، إلى أن وصلت الظعائن إلى الماء الغزير الصافي