للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشعر الجاهلي]

[مدخل]

[*]

...

[الشعر الجاهلي]

الشعر لغة العواطف، وترجمان الأحاسيس، ويعنى بإظهار الجمال، وتصويره في صور تسحر القلوب، وتثير الوجدان، وتبعث في النفس الإعجاب والارتياح. ولذلك عد من الآداب الرفيعة، واعتبر فنًّا من الفنون الجميلة.

وقد عرف العرب منذ أقدم عصورهم قيمة الشعر وأثره في النفس، وما له من شأن عظيم في تاريخ الأمم والشعوب، بإظهار مواهبها، وسمو عواطفها، ورقة مشاعرها وتخليد أمجادها ومفاخرها فقدروا الشعر حق قدره، وعظموا الشعراء وأكبروهم فكان للشاعر أعلى منزلة في قومه، وفي ذلك يقول ابن رشيق: "كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر، كما يصنعون في الأعراس ويتباشر الرجال والولدان؛ لأنه حماية لأعراضهم، وذب عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم. وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ، أو فرس تنتج".

وإذا كان التاريخ لا يستطيع أن يخبرنا عن أول مخترع للكتابة، فكذلك لا يمكننا أن نعرف أول من قال الشعر، لكن المؤكد أن الإنسانية في طفولتها لا بد أنها قد عبرت عن إحساساتها ومشاعرها بنوع من الكلام يخالف ما تعبر به عن حاجاتها اليومية، ومشاغلها العادية، فكان ذلك -ولا شك- شعرًا، وهو -بطبيعة الحال- كان شعرًا بدائيًّا يتناسب مع الإنسان في ذلك الطور من أطوار سيره في سبيل التقدم نحو الترقي والمدنية والتهذيب. ولئن كانت المحاولات الشعرية الأولى قد ضاعت، فإنه يمكن أن يقال: إنه يغلب على الظن أنها كانت خالية من القيود، ومتحررة من أية التزامات في طريقة التعبير، وأساليب التصوير، ثم أخذت تتدرج وتتطور، شيئًا فشيئًا، شأنها شأن الإنسان، حتى انتهت إلى الصور التي نرى عليها الشعر الآن.

وإن كان لنا أن نتصور بدءًا للشعر العربي فربما ساغ لنا أن نقول: إن أول خطوة خطاها في سبيل الشعر الموزون المقفى كانت متمثلة في الأسجاع بين جملتين، ثم بين أكثر من جملتين وبعدها كان تساوي الفواصل في هذه الأسجاع، ثم أخذ المنشئ يخضع هذا التساوي بين

<<  <   >  >>