للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[معارفهم]

لقد هيأت الظروف التي كان يعيش فيها الجاهليون الفرص لتكوين بعض المعارف لديهم تبعًا لأنواع النشاط الذي كانوا يمارسونه في حياتهم.

وقد سبق أن ذكرنا أن اليمن وبعض واحات الحجاز مثل يثرب وخيبر الطائف ووادي القرى كانوا يعيشون على الزراعة، لوفرة المياه اللازمة لها، ومن ثم فإننا نتوقع أن يكون لمن يتخذونها مهنة لهم خبرة بنواحيها المختلفة مثل البذر والحصاد والري، وإقامة السدود والقناطر، وشق الترع والقنوات والمحافظة على منابع المياه ومصادرها، كذلك لا شك كانت لديهم خبرة بإقامة البيوت والمنازل التي يستلزمها استقرار الناس حول مزارعهم، وقد أوردنا سابقًا بعض ما ذكره المؤرخون القدامى عن مظاهر الترف والنعيم التي كان يعيش فيها أهل اليمن، منذ القدم.

وأما مركز التجارة، فلا شك في أنه كان لدى أصحابها خبرة عن طرق تثمير الأموال، وتصريف البضائع، وترويج سوقها.

ولا شك أن اتصالاتهم التي تحدثنا عنها آنفًا كانت سببًا في معرفة كثير من أخبار الأمم السابقين من العرب وغيرهم بما كانوا يروون من القصص، وما يتناقلونه من أحاديث. ومن ذلك يقول الهمداني:١ "ليس يوصل إلى خبر من أخبار العجم والعرب إلا بالعرب وبينهم، وذلك أن من سكن من العمالقة وجرهم وخزاعة بمكة أحاطوا بأخبار أمم مختلفة من العرب البائدة والفراعين العاتية وأخبار أهل الكتاب، وكانوا يدخلون البلاد للتجارة فيعرفون أخبار الناس. وكذلك من سكن الحيرة وجاور العجم قد حووا علم الأعاجم وأخبارهم وعنهم صار أكثر ما رواه محمد بن السائب الكلبي والهيثم بن عدي من رواة الأخبار. وكذلك من وقع بالشام من مشايخ غسان خبير بأخبار الروم وبني إسرائيل واليونان. ومن وقع بالبحرين من تنوخ وغيرهم، فعنهم أتت طسم وجديس. ومن وقع بعمان من ولد نصر بن الأزد فعنه


١ تاريخ العرب القدامى: ص١٠٨ عن كتاب الوشي المرقوم للهمداني. راجع بلوغ الأرب جـ٣ ص٢١٣.

<<  <   >  >>