الأدب الجاهلي أدب قديم، كان يلقى، وينشد، ويحفظ، ويروى عن طريق المشافهة، والروايات الشفهية، ولم يدون إلا بعد زمن طويل، كما مر الحديث عن ذلك بالتفصيل فيما سبق.
وكل أثر له قيمته وأهميته وتكتنفه مثل هذه الظروف، يكون عرضة للشك والاتهام، والقيل والقال، والظن، والطعن في أصله، ونسبه، وأصحابه، وصحته، وصدقه، وقيمته، وحجمه، ونقصه، والزيادة عليه، وما إلى ذلك مما قد يعرض لفكر الإنسان وعقله من شكوك وظنون حينما يتصدى لدرس أثر من الآثار لم ينل من وسائل المحافظة عليه والاحتياجات الدقيقة ما يكفل له البقاء سليمًا صحيحًا:
والأدب -في كل أمة من الأمم، وبخاصة ما فيه من نصوص رائعة- من الآثار الفنية الممتازة، التي تعتز بها الأمم وتفتخر، وتعتبرها دليل مجدها، وسجل مفاخرها، ومن ثم تعرضت الآداب القديمة في كل الأمم للشك والاتهام، ورمي كثير منها بالاختلاق والافتعال، فاتهم الأدب الجاهلي بالوضع والانتحال، وحدث مثل هذا للآداب القديمة الأخرى كالآداب اليونانية١ والرومانية والإنجليزية، فقد رمي كل أثر من هذه الآثار القديمة الخالدة، بأنه ليس لأصحابه الذين يدعى أنه لهم، وأنه دخله كثير من التحريف والتزييف والادعاء، فليست الأمة العربية أول أمة رمي أدبها الجاهلي القديم بالوضع والانتحال، وإنما الأمم الأخرى رميت آدابها القديمة بمثل هذا الاتهام.
والأدب بعامة، والشعر منه بخاصة، كانت العرب في جاهليتها وإسلامها تكبره وتجله، وكانت له منزلة سامية في نفوسهم، وكانت القطع الرائعة فيه تحظى بالعناية والاحترام، وكان أصحابها يلقون منهم مهابة وإجلالًا، لذلك نتوقع أن تكون الروائع الأدبية محلًا للادعاء،
١ راجع بحثا طويلًا عن المشكلة الهومرية في كتاب مصادر الشعر الجاهلي الدكتور ناصر الدين الأسد صفحة ٨٧-٣٢٠.