الحياة والحركة: وفي الصورة الشعرية نجد الحياة تجري، والحركة تدب فيها بحيث نرى الصورة كأنما هي أجسام حية، تتحرك، وتجري، وتكر، وتفر، وتحاور، وتداور، وتتلفت، وتتحدث، وتتكلم بأفصح الكلمات، وأبلغ العبارات، ومن أروع الصور الحية قول عنترة:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره ... ولبانه حتى تسربل بالدم
فازور من وقع القنا بلبانه ... وشكا إلي بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي
فالصورة يبدو فيها عنترة يدفع حصانه ليتقدم أكثر وأكثر في صفوف الأعداء، في حين أن رماحهم تنهال على الحصان حتى تمزق جسده، واكتسى سربالًا من الدم، فالتفت بوجهه إلى عنترة، وكأنما يستعطفه أن ينظر ما آلت إليه حاله، وشكا إليه ما فيه من ألم، بعبرة انحدرت على خده، وزفرات مكتومة من صدره. وهذه القوة الفنية في التصوير، إنما يتميز بها الأدب من بين الفنون الجميلة الأخرى، فليس هناك من هذه الفنون فن يستطيع أن يبدع صورة حية تتحرك وتتحدث سوى فن الأدب.