المادية والحسية: إذا رجعنا إلى الموضوعات التي عالجها الشعر الجاهلي نجد أنها معالجة من الناحية المادية، فالحديث عن كل منها يدور حول النواحي الحسية، حتى ما كان منها معنويًّا نجده قد أصبح محسًّا كأنما تراه بعينك أو تحسه بلمسك. فالفخر مثلًا، يدور الحديث فيه عن كثرة العدد، وقوة السلاح، وقتل الأعداء، والأسر، والسبي، وأخذ الغنائم، والاستيلاء على المنازل، وعن شرب الخمر. ولعب الميسر، وإتلاف الأموال، والإسراف والتبذير وإطعام الطعام، وكذلك كان المدح، وبضد ذلك كان الهجاء والتهديد. كما تظهر الناحية المادية بوضوح في الغزل، إذ إن الظاهرة الغالبة فيه التغني بالأوصاف الجسدية للحبيبة، وهكذا لو تتبعنا جميع الأغراض والموضوعات سوف نجد الناحية الحسية واضحة فيها.
ولعل ذلك راجع إلى الظروف التي كانت تحيط بهم في تلك البيئة. فقد كانت قاحلة، جرداء، فانتشر فيها الفقر والبؤس. وقل الخير، فلم تكن هناك وسائل مهيئة لتفتح الأذهان والقلوب على النواحي المعنوية. والإنسان في البيئة الفقيرة إنما يتجه أولًا إلى النواحي المادية التي تعود عليه بالنفع المادي، فهو لا يفكر إلا في الفائدة الحسية التي تقيم أوده، وتحفظ حياته أولًا، أما ما وراء ذلك من المعنويات الأعلى شأنًا من ذلك فلا تجيء إلا بعد الاطمئنان على ما يمكنه أن يعيش عليه. ثم إن حظ الجميع من الناحية الثقافية كان قليلًا. وهذه الناحية إذا ما تهيأت للإنسان بقدر كافٍ، وسعت من أفقه، ومجال إدراكه وتفكيره، فحملته إلى آفاق أخرى، أعلى من الناحية المادية.
والعرب في ذلك الوقت كانت سبل الحياة أمامهم شاقة عسيرة، وكانت علاقاتهم الاجتماعية في أكثر أحوالها بسيطة، وما كانوا يعرفون من ثقافات غيرهم كثيرًا. ولا يعرفون من