للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[النثر الجاهلي]

[مدخل]

...

[النثر الجاهلي]

تؤيد الطبيعة والعقل أن الجاهليين كان لهم نثر أدبي، فليس هناك مانع يجعل ذلك مستحيلًا أو معدومًا، وإذا كان لهم شعر، فلا بد أنه كان لهم نثر، يتحلل فيه القائل من قيود الشعر التي قد تقف أمام الأديب فلا يستطيع أن يلتزمها، والواقع أنه كان لهم نثر، وأنهم حتمًا كانوا يجيدون النثر الأدبي، بدليل نزول القرآن، وفهمهم له، ومجادلتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فيما كان ينزل عليه، وما يتلوه عليهم، وبدليل تحدي القرآن لهم أن يأتوا بمثله أو بعضه، والقرآن الكريم ليس شعرًا، والتحدي لا يكون له معنى إلا إذا كان في الناحية التي يزعم المتحدى أن له فيها نبوغًا، ويدعي لنفسه عليها قوة واقتدارًا، ومن ثم لا بد أن الله قد أعجز أمة ذات قدرة فائقة على النثر.

ونثر الجاهليين لا شك أنه كان كثيرًا، يفوق في الكم ما كان لهم من شعر، وقد سبق أن وضحنا ذلك، ولكن سنة الكون دائما تجعل الشعر أوفر حظًّا من العناية والاهتمام، فيحفظ، ويتناقل، ويروى على مر الأجيال أكثر من الشعر. ولهذا نتوقع أن يكون ما حفظ لنا من نثر الجاهليين أقل بكثير مما حفظ لنا من شعرهم.

وإذا كان في الشعر قافية موحدة، ومقاطع موسيقية منتظمة تجعله أسهل علوقًا بالذهن، وأكثر دوامًا بالذاكرة، فإن ذلك أيضًا جعله يثبت في الحفظ، ويتناقل من جيل إلى جيل بنفس الألفاظ والعبارات اللهم في القليل النادر، فيغلب على الظن؛ حينئذ أن عدم وجود هذه الخاصية في النثر قد أثرت في حفظه وفي روايته، فكان أشق في الحفظ، وأقل دوامًا في الذاكرة، ثم كان عرضة للتغيير أو التحوير، مع المحافظة على المعنى المقصود، بطبيعة الحال، ومن هنا لا شك أن النثر الجاهلي كان من الصعب على الرواة أن يحفظوه كله، وإذا حفظوا بعضه، فالغالب أنه قد ضاعت منهم بعض ألفاظه. ولكن مهما يكن، فمن المؤكد أنه بقيت نصوص منه كان لها حظ الرعاية والاهتمام، فظلت سليمة كما صنعها أصحابها، حتى تسلمتها بطون الكتب وأمهات المراجع، فوصلتنا صحيحة سليمة.

<<  <   >  >>