بسبب هذه العوامل التي مر ذكرها وجدت نهضة شعرية في العصر الجاهلي، فكثر الشعراء كثرة ظاهرة، حتى لم يستطع المؤرخون أن يحصوا جميع الشعراء، فقد فاقوا الحصر وكان في كل قبيلة شعراء، وكان عدد القبائل كثيرًا، كما رأينا في أنسابهم. وبطبيعة الحال لم تتساوَ القبائل في عدد الشعراء، فالناس لا يتساوون جميعًا في المواهب، والشاعرية موهبة يمنحها الله لمن شاء، ومن ثم، فقد كان هناك من القبائل من كثر فيهم الشعراء، ومنهم من كان حظه منهم قليلًا، كما أن الشعراء لا يتساوون في النتاج، كما لا يتساوى الناس في الأعمال والآثار، فمنهم من ذاع صيته، وعلا نجمه، ومنهم من لم يكن له حظ الذيوع والانتشار، وقد ادعت كل قبيلة أنها أكثر القبائل عددا في الشعراء، كما ادعت كل منها أن شعراءها أجود من غيرهم، ومن ثم حاول كثير من النقاد أن يقسموا هؤلاء الشعراء طبقات، وقد اختلف هؤلاء النقاد فيما بينهم على الأسس التي يقسمونهم عليها إلى طبقات، منهم من اتخذ الشهرة أساس التقسيم فراعى ذيوع الاسم، وانتشار الشعر، ومنهم من جعلها مبنية على أساس ما بقي من الشعر جملة، ومنهم من جعلها على أساس ما كان للشعراء من معانٍ وأساليب في طريقة التصوير الشعري؛ ومنهم من أسس التقسيم على الناحية الاجتماعية أو الغرض الشعري، أو الجهات التي كانوا ينزلونها، أو الديانة التي كانوا يعتنقونها، إلى غير ذلك من الاعتبارات التي رآها هؤلاء الدارسون صالحة لتقسيمهم طوائف تتميز كل منها عن الأخرى ببعض الأمور الخاصة حسب ما تبين لهم من دراساتهم.
وقد ذكر الأستاذ جورجي زيدان١ أنه وقف على تقسيم لشعراء الجاهلية استخرجه من كتاب طبقات الشعراء لإسكندر إيكاريوس المطبوع في بيروت، ولم يذكر الأساس الذي اعتمد عليه في هذا التقسيم. وقد أوردهم في جدول ذكر فيه بجانب كل شاعر اسم قبيلته وبلده وسنة وفاته على التقريب. ولفائدة هذا الجدول العلمية رأيت أن أورده بنصه، وهو ما يلي: