بدأ عنترة معلقته بالسؤال عن المعنى الذي يمكن أن يأتي به ولم يسبقه به أحد الشعراء من قبل، ثم شرع في الكلام، فقال: إنه عرف الدار وتأكد منها بعد فترة من الشك والظن، فوقف فيها بناقته الضخمة؛ ليؤدي حقها -وقد رحلت عنها عبلة وصارت بعيدة عنه- فحيا الطلل الذي قدم العهد به وطال، فتخرب، وأصبحت الحبيبة في مكان يصعب عليه طلبها فيه، فقد باعدت بينهما الديار، وهي بين الأعداء، وحقيقة تمكن حبها في قلبه منذ أن وقعت عليها عينه عرضًا وهو يحارب قومها، وأضحت تحتل في قلبه مكانة المحبوب المعزز المصون وكان فراقها مفاجأة له، فقد قرروه في الخفاء، وأفزعه أن رأى الإبل تحمل الأمتعة على وشك الرحيل، وكان ركابها من أجود الإبل وأغلاها:
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي ... وعمي صباحا دار عبلة واسلمي
فوقفت فيها ناقتي وكأنها ... فدن لأقضي حاجة المتلوم
حييت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
حلت بأرض الزائرين فأصبحت ... عسرًا عليَّ طلابك ابنة مخرم
علقتها عرضا وأقتل قومها ... زعما لعمر أبيك ليس بمزعم