للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم جره حديثه عن نفسه إلى الحديث عن قومه فافتخر بقبيلته، قائلًا: إنهم مأوى الأرامل والأيتام والفقراء، ويقدمون الطعام الكثير في أوقات الجدب، وهم في المحافل عظماء الرجال، يعتمد عليهم، ويحملون الأعباء، ويقومون بكل التكاليف والمشاق، ويؤدون الحقوق، ولا يرد لهم قول، كرماء سمحاء، مجدهم تليد، وهم أبطال، كاملو العدة والسلاح، ولا تخيب أفعالهم، ولا تدنس أعراضهم، ولا تميل عقولهم مع الهوى، وبيتهم عالي الشرف، الكهل منهم والغلام في الذورة، حباهم الله بالأخلاق الحسنة وأعطاهم أفضل الحظ من الأمانة، يسعون في الخير، ويرجع إليهم في كل أمر، وخيرهم كثير فياض، لا ينال منهم حاسد، ولا يلحقهم لوم حاقد:

تأوي إلى الأطناب كل رذية ... مثل البلية قالص أهدامها

ويكللون إذا الرياح تناوحت ... خلجًا تمد شوارعًا أيتامها

إنا إذا التقت المجامع لم يزل ... منا لزاز عظيمة جشامها

ومقسم يعطي العشيرة حقها ... ومغذمر لحقوقها هضامها

فضلا وذو كرم يعين على الندى ... سمح كسوب رغائب غنامها

من معشر سنت لهم آباؤهم ... ولكل قوم سنة وإمامها

لا يطبعون ولا تبور فعالهم ... إذ لا تميل مع الهوى أحلامها

إن يفزعوا تلق المغافر عندهم ... والسن يلمع كالكواكب لامها

فبنوا لنا بيتًا رفيعًا سمكه ... فسما إليه كهلها وغلامها

فاقنع بما كتب المليك فإنما ... قسم الخلائق بيننا علامها

وإذا الأمانة قسمت في معشر ... أوفى بأعظم حظنا قسامها

فهم السعاة إذا العشيرة أفظعت ... وهم فوارسها وهم حكامها

وهم ربيع للمجاور فيهم ... والمرملات إذا تطاول عامها

وهم العشيرة أن يبطئ حاسد ... أو أن يلوم مع العدا لوامها

وتلك معلقة لبيد، ويبدو أنها رمز لحب البقاء، والكفاح في سبيل الحياة، فهي دعوة لمسايرة الواقع وعدم التعلق بالأوهام والخيالات، وتصوير للجد، والعمل المتواصل لتذليل الصعاب والتغلب على العقبات، ومعالجة كل حالة بما تقتضيه مهما كلف ذلك من جهد أو تضحية، في سبيل الحفاظ على الحياة الكريمة.

<<  <   >  >>