والشعر الجاهلي ليس فيه شيء من نوع الشعر القصصي Epic ولا الشعر التمثيلي Dramatic وإنما هو من النوع الغنائي Lyric فهو شعر غنائي يهتم بتصوير نفسية الشخص، وما يتصل به من وجدان وعاطفة، وصاحبه يتغنى بحبه وبغضه، وأمله وألمه، وغير ذلك من المشاعر المختلفة التي يحسها الإنسان، وعدم وجود الشعر القصصي أو الشعر التمثيلي بين الجاهليين العرب ليس فيه شيء عليهم من الناحية الفنية، وذلك لا يعني بحال نقصًا في شاعريتهم، أو غضًّا من مقدرتهم الأدبية لأن الشاعرية لا تقاس بالنوع فقط، إنما تقاس كذلك بالدرجة التي بلغتها الأمة في الناحية التي تهيأت لها، فيقال: أوصلت درجة الكمال فيها أم لا؟ وإذا لم تتهيأ لأمة من الأمم الظروف المناسبة لشيء من الأشياء، فلا ينبغي أن تحاسب عليه. والجاهليون لم توجد لهم الأسباب التي تدعو لقول الشعر القصصي أو الشعر التمثيلي، فلم يأت لهم فيهما شيء. وجاء شعرهم كله من النوع الغنائي. وقد بلغوا في هذا النوع درجة ممتازة، وذلك لعوامل كثيرة ساعدتهم على ذلك.
وأهم هذه العوامل: صفاء البيئة التي كان يعيش فيها العربي، مما جعله يحس الجمال الطبيعي، ثم الحرية التي كان يتمتع بها، وحبه لشخصيته، وتعصبه لقبيلته التي هي عماده وملاذه، والاستقلال الذي كانت تتمتع به البلاد، والحروب التي كانت تنشب بينهم، وما كان يتسبب عنها من آثار تلهب العواطف، وتثير المشاعر، هذا إلى ما كانت تتطلبه صِلاتهم ومجتمعاتهم الخاصة والعامة من رصين الشعر، والتنافس بين الأفراد والقبائل في ميادين الفصاحة والبيان، وما كان يقام من مباريات الشعر، ومجالس النقد، وما كان يناله الشعراء الممتازون من تقدير وتكريم.