للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حول الأدب الجاهلي]

[حقائق عامة]

...

[حقائق عامة]

الأدب الجاهلي هو ذلك الأدب الذي ينسب إلى العرب الذين كانوا قبل الإسلام وليس المقصود في دراستنا هذه الأدب بمعناه العام الذي يشمل جميع نتائج القرائح العربية في أي نوع من أنواع النتاج العقلي، فذلك ليس من شأننا الآن، إنما المقصود هنا الأدب بمعناه الخاص، وهو النتاج العاطفي الذي يعبر فيه صاحبه بالألفاظ عن شعور عاطفي، وفيه إثارة للقارئ والسامع، أي ذلك التعبير العاطفي المثير، وهذا يكون عادة في الشعر الرائع والنثر البليغ.

ومن يرجع إلى كتب الأدب والقصص والتاريخ والأخبار والسير يجد أن الأدباء في العصر الجاهلي كانوا أكثر من أن يحيط بهم حصر، فكل قبيلة كان بها عدد كبير من الأدباء الذين روي لهم نتاج أدبي، وبطبيعة الحال كان فيهم المقل والمكثر، وهم يتفاوتون في إنتاجهم كمًّا وكيفًا، وإذا تذكرنا أن عدد القبائل العربية شماليها وجنوبيها كان كثيرًا توقعنا أن نجد لهم نتاجًا أدبيًّا ضخمًا.

وقد كانت ظروف الجاهليين تساعد على إبداع النصوص الأدبية في جودة وإتقان، فالأحداث التي كانت تقع بينهم، والصلات الاجتماعية التي كانت تربط بعضهم ببعض والمجالس التي كانت تعقد إما بين أفراد القبيلة الواحدة أو القبائل المتحالفة للتشاور وحل المشكلات، وإما بينهم وبين خصومهم لإنهاء نزاع أو فض خلاف، والمناسبات المختلفة التي كانت تستدعي بعث الرسل والوفود، والمجتمعات العامة التي كانت تضم أكبر عدد من القبائل، فتعرض فيها الأمور على نطاق واسع -كل هذه الظروف- كان الاعتماد فيها على فصيح القول وبليغ العبارات، ثم إن مجالس السمر التي كانت تعقد ليلًا حينما ينتهون من مشكلاتهم اليومية، فيلتفون حول المواقد، أو في رحاب النسيم العليل، كانت تهيئ فرصًا ذهبية لأصحاب المواهب الفنية ليمارسوا نشاطهم الأدبي، في كل ما يروقهم من قصص أو أخبار، أو تصوير أدبي، نثرًا كان أم شعرًا، كل حسب ميوله واستعداده، يشجعه

<<  <   >  >>