ومن الناحية الاجتماعية: فقد كان للعرب في جاهليتهم أسواق يجتمعون فيها لتبادل السلع والآراء، وكانوا يقيمونها على مدار السنة في أماكن مختلفة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ولكن قريشًا كانت أكثر القبائل حظًّا في ذلك، إذ كان يقام حولها ثلاث أسواق تمكث مدة طويلة، فكانت ذو المجاز تستمر ثلاثة أيام، وسوق مجنة سبعة أيام، وسوق عكاظ ثلاثين يومًا: وكانت كل القبائل تحضر هذه الأسواق لأنها متوجههم إلى الحج الأكبر، وهذه الأسواق بجانب أهميتها التجارية، كانت لها أهمية اجتماعية، وأهمية أدبية وكان لقريش في ذلك رأي لا يمكن تجاهله، ونصيب لا يستهان به في الميادين فكانت هذه الأسواق تعرض فيها المشكلات، وتتبادل الآراء لفض المنازعات، وتسوية الخلافات كالصلح بين المتخاصمين، وتهدئة الثائرين وإطلاق سراح الأسرى، والحكم بين المتخالفين، كما كانت هذه الأسواق ميدانًا للخطابة والشعر، وفصيح القول: يخطب فيها الخطباء وينشد الشعراء، ويتبارى المتكلمون بما دبجته قرائحهم من بليغ الكلام، وهناك تعقد مجالس النقد للمفاضلة بين المتكلمين في ميادين البلاغة والبيان.
ومن الطبيعي أن تطرق هذه السيول من البلاغة آذان سامعيها من العرب جميعًا، وبخاصة قريش الذين كانوا أهل البلد الذى تنزله هذه الأفواج، ولا شك أن ذلك يستتبع تأثيرًا في لغتهم ولسانهم، مما يزيدهم فصاحة في الأسلوب وثروة في الألفاظ والعبارات.
ومن ثم يعتقد هؤلاء الباحثون أن لغة قريش قد تهيأ لها -دون غيرها من اللهجات العربية الأخرى- من الأسباب والعوامل، ما جعلها تبلغ درجة عليا من التهذيب الكامل والنضج التام، فاتخذها العرب جميعًا قبل الإسلام، لغة الأدب، وحديث المجتمعات، ولغة الوفود كاللغة الرسمية في عصرنا الحديث.
وبجانب أن لهجة قريش أصبحت بذلك أفصح اللغات فإنها تخلو من العيوب التي توجد في كثير من اللهجات الأخرى وهي باختصار: