كان الشاعر الجاهلي يبدأ قصيدته -إذا كانت تتضمن أفكارًا كثيرة متعددة- بافتتاحية يجعلها مقدمة لما سيأتي بعدها، وكان أكثر هذه الافتتاحات دورانًا على ألسنة الشعراء الحديث عن الأطلال وارتحال الحبيبة وأثرهما في نفس الشاعر، وسنتحدث عن ذلك إن شاء الله عند الكلام عن بدء المعلقات.
وكان من بين الافتتاحيات: الحديث عن الصبا والشباب، والشيب، والخمر، والطيف، ثم الحديث عن ذكريات الحبيبة وجمالها، ومحاولة التسلي عنها، وبعد ذلك تتوالى الأفكار حسب ما يراه الشاعر، وسيتبين بمشيئة الله تعالى من تحليل بعض القصائد الطوال، أن الشاعر الجاهلي كان يحاول أن يعرض أفكاره في تسلسل منطقي، كل فكرة ترتبط بسابقتها برباط عقلي، ظاهر أو خفي، حتى الافتتاحية التي كان الشاعر يبدأ بها قصيدته كان يأتي بها مناسبة للفكرة الأساسية في القصيدة، والشعور العام الذي استولى عليه فيها.
ومن أهم ما يمتاز به الشعر العربي اتحاد الوزن والقافية في جميع أبيات القصيدة الواحدة إلى آخرها، مهما كان طولها، كما تمسك العربي في شعره بوحدة البيت الواحد، وضرورة تمامه بنفسه، وأنه يجب ألا يكون معناه التام متوقفًا على شيء في بيت سابق أو بيت لاحق.