وقد ظن قوم أن التزام الوزن والقافية في القصيدة الواحدة إنما هو تشدد من المتزمتين لا مبرر له، يكبل الناشئين من الأدباء، ويقف حجر عثرة في سبيل انطلاقهم بحرية مطلقة نحو الإبداع الفني الذي يتطلبه طموحهم.
والإنصاف يقتضي من أصحاب هذا الظن أن ينظروا إلى هذا نظرة موضوعية عميقة، لا نظرة شخصية ضحلة، فالشعر عمل فني رائع، مثله كمثل أي تخصص علمي أو فني يتطلب مؤهلات عليا وكفاءات ممتازة. والوصول إلى ذلك يحتاج إلى كفاح طويل وعمل متواصل والطريق إلى القمة دائمًا على درجات، يصعدها المتطلع إلى العلا واحدة تلو الأخرى، ولا يمكن أن يحدث ذلك طفرة واحدة. فعلى الطَّمُوح إلى المعالي أن يصعد إليها السلم درجة درجة، وفي كل منها يستجمع من القوة ما يؤهله للصعود إلى أعلى حتى يصل إلى القمة، ويحتل المركز الذي يليق بما بذل من جهد وكفاح، أما من يحاول أن يقفز إلى ما ليس أهلًا له، فلن يتحقق له ما يريد فالوضع الصحيح لكل إنسان يجب أن يكون مناسبًا لقدرته وكفاءته.
فطريق الشعر طويل وشاق يحتاج إلى موهبة وكفاءات ومؤهلات، والشعراء يختلفون في الجودة والمكانة، وبعضهم يجعل الشعراء أربعة أنواع:
١- شاعر خنذيذ وهو الذي يجمع إلى جودة شعره رواية الجيد من شعر غيره.
٢- شاعر مفلق وهو الذي لا رواية له، لكنه مجيد.
٣- شاعر فقط وهو فوق الرديء بدرجة.
٤- شعرور وهو لا شيء.
ومن أطراف ما قيل في ذلك شعرًا:
الشعراء فاعلمنّ أربعة ... فشاعر يجري ولا يجرى معه
وشاعر يخوض وسط المعمعة ... وشاعر لا تشتهي أن تسمعه
وشاعر لا تستحي أن تصفعه٢
٢ تاريخ آداب اللغة العربية لجورجي زيدان جـ١ ص٦٧ مطبعة الهلال.