للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[النثر والشعر في العصر الجاهلي]

[تمهيد]

...

[تمهيد]

الكلام مقدرة خص الله بها الإنسان، للتعبير عما في نفسه من مطالب ورغبات وحقائق وتصورات، وعواطف وانفعالات، وبها يكون الاتصال والتفاهم وتبادل الآراء والتعرف على وجهات النظر والحقائق والأفكار بين الإنسان وغيره من الناس.

وطريقة الكلام، ونوعيته، والمقصود منه، ودرجته، وأثره: أمور يتوقف كل منها على المتكلم: عقليته، وبيئته، وظروفه، وأحواله، وثقافته، وثروته اللغوية، وقدرته اللسانية.

والكلام من حيث الألفاظ، ومدلولاتها، واستعمالاتها، واختيارها، ووضعها في أماكنها، ورصفها في جمل وعبارات، بعضها مع بعض، يأتي على درجات متعددة، تتفاوت صحة ودقة وتأثيرًا، وأرقى درجات الكلام الإنساني: الأدب، والأدب الرفيع أعظم الكلام فنًّا وجمالًا وروعة، "وإن من البيان لسحرًا" لهذا يعد الأدب من الفنون الجميلة العليا.

ومن المتفق عليه أن الأدب بمعناه الاصطلاحي الخاص الدقيق: هو ذلك التعبير اللفظي العاطفي المثير، فهو تصوير عواطف الإنسان ومشاعره نحو مظاهر الكون والحياة بألفاظ مختارة منتقاة بدقة وعناية، يشخص فيها كل ما يحسه الأديب من انفعالات، بصدق وقوة، وتوضع وضعًا خاصًّا، بحيث تتحول هذه الألفاظ في نفس مستقبلها، قارئًا كان أم سامعًا، إلى أصلها الأول من مشاعر وإحساسات، ولذلك لا بد أن يكون الأديب ذا موهبة خاصة، قد فطره الله عليها، تجعله حاضر البديهة، قوي الملاحظة، واسع الخيال، سريع التأثر، مرهف الحس، رقيق الشعور، قادرًا على الإبداع الأدبي.

ولكي تؤتي هذه الموهبة ثمارها، يجب على صاحبها أن يعمل دائمًا على تغذيتها وتنميتها من جميع النواحي: علمًا وخبرةً وثقافةً واطلاعًا على أوسع مدى، فمثلها كمثل أي كائن حي، لا ينمو ولا يترعرع، ولا ينتج ولا يثمر إلا بالغذاء والعناية والرعاية.

فالأديب الحقيقي هو الذي لديه موهبة أدبية فطرية ومكتسبة، وسماتها: العقل الصائب،

<<  <   >  >>