والفكر الثاقب، والذهن الصافي، والبديهة الحاضرة، والملاحظة الدقيقة، والشفافية الخالصة، والإحساس المرهف، والشعور الفياض، والخيال المبدع، والاطلاع الدائم، والثقافة المتنوعة، والوقوف على آثار السابقين، والإلمام بشتى أنواع النتاج الفكري، والتطور المستمر مع ركب الحياة المتجدد، ولن يتحقق ذلك إلا بعد قضاء وقت طويل في جهد شاق، وعمل متواصل، بدافع الرغبة الطبيعية الحقيقية، والمتعة الروحية المتجددة على الدوام. وبهذه الكفاءة، وبهضم هذا الغذاء وتمثله، والانتفاع به بحكمة وإتقان، يكون النتاج عظيمًا ورائعًا، ولصاحبه مكانة سامية في عالم الأدب الرفيع، فالغرس المعتنى به، في أرض طيبة صالحة، ينمو نباته ويترعرع، ويظل -بدوام العناية والرعاية- ريان ناضرًا، ثم يعطي نتاجًا غزيرًا، وثمارًا شهية، وينال صاحبه خير الثناء وأعظم التقدير.
والأدب نتاج فكري إنساني، فهو من الظواهر الإنسانية، يتأثر بما يتأثر به الإنسان من البيئة والظروف والمناسبات والأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية وغيرها، ولذلك عند دراسة النص الأدبي لا بد من معرفة ما أحاط بصاحبه من ظروف وأحوال. هذا هو ما جعلنا نلقي نظرة عامة على أحوال الجاهليين المختلفة في القسم الأول من هذا الكتاب من حيث كونها مؤثرات عامة في الأدب الجاهلي.
وقد استقرت آراء الباحثين في النهاية -مع اختلاف وجهات النظر- على أنه عند الرغبة في الإلمام بتاريخ أدب أمة من الأمم، يجب أن يعرف تاريخها وأحوالها على مر العصور. لذلك انتهى الأمر بالنسبة لتاريخ الأدب العربي -لكي تكون الإحاطة به أشمل وأكمل- أن قسم إلى عصور تاريخية خمسة، هي:-
١- العصر الجاهلي: وهو الزمن الذي سبق ظهور الإسلام
٢- عصر صدر الإسلام وبني أمية: من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية سنة ١٣٢هـ
٣- العصر العباسي: من قيام الدولة العباسية سنة ١٣٢هـ إلى انتهائها على يد التتار سنة ٦٥٦هـ وقد يقسم هذا الشعر قسمين: العصر العباسي الأول من سنة ١٣٢هـ وينتهي سنة ٣٣٤هـ، والعصر العباسي الثاني من سنة ٣٣٤ إلى سنة ٦٥٦هـ.