لقد كان للبيئة والظروف التي أحاطت بالقبائل العربية قبل الإسلام أثر كبير في حالتهم الاجتماعية، فالنظام القبلي، وعدم وجود حكومة مركزية، وجدب الصحراء وضيق الأفق كان لها دخل كبير في وجود كثير من الصفات والعادات عند العرب الجاهليين.
فحب الفرد لقبيلته وتفانيه في إخلاصه لها، والعمل على رفع شأنها، وإعلاء كلمتها، وتعصبه لها وحدها، كل ذلك جعله يتجاهل غيرها، ولا يعترف بحق الحياة أو الملكية أو المتعة لأحد من سواها، كأنما لم يخلق في الوجود غيره وغير قبيلته، فدفعه هذا الاعتقاد إلى الاعتداء على حقوق الآخرين، ما دام يملك القوة أو الفرصة المواتية، فكانت الغارات والحروب التي ينجم عنها إزهاق الأرواح، ونهب الأموال وأسر الرجال، وسبي النساء، مما يشيع الرهبة في قلوب الآخرين، ويعلي من شأن المنتصرين، وينمي ثروتهم، بما غنموه من مال، أو كسبوه من فداء الأسرى والسبايا، أو احتلال أرضهم، ونزول ديارهم. وما كانوا يكفون عن الغارات والحروب إلا في الأشهر الحرم، ولكن الحمية الجاهلية كانت تشتط بهم فيقاتلون فيها غير مبالين، كما كان في حرب الفجار بين قريش وكنانة، أو يتخذون النسيء فيؤخرون الأشهر الحرم كما يشاءون. وإزهاق الأرواح، وإنزال الخسائر، وإحداث الهزائم، وما كانت لتقف عند حد، فالقبيلة المنهزمة ومن حاقت بهم الخسائر، ما كانوا ليقفوا مكتوفي الأيدي، بل لا بد أن ينتقموا لكرامتهم، ويردوا شرفهم، فكان لابد من الأخذ بالثأر، وكان الاعتقاد السائد أن روح القتيل كانت تخرج من قبره كل يوم في صورة طائر يسمونه "الهامة" وتصيح قائلة "اسقوني، اسقوني" ولا تكف عن الصياح حتى يأخذ بثأره. فكل معركة كانت تتبعها معركة بل معارك، وقد ساعد على انتشار هذه الفوضى، وشيوع الرعب وعدم الطمأنينة والأمن، عدم وجود حكومة مركزية يدين لها جميع القبائل بالولاء والطاعة، وتتولى نشر العدل بين الناس على السواء. وكان التعصب القبلي الأعمى يقوي من نيران العداوة والحروب، فالتزام الوقوف بجانب أي فرد من القبيلة في جميع الأحوال، ظالمًا أو مظلومًا بصرف النظر عن مدى الحق في موقفه، وبدون ترو أو تفكير فيما هو مقدم عليه، زاد الطين