للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بلة، وأرث الأحقاد في القلوب وعمل على توسيع الهوة بين القبائل، فأصبحوا متفككي الأوصال لا تجمعهم وحدة، ولم يكن لديهم شعور بفكرة نحو التجمع تحت لواء واحد.

وحبه لنفسه وعشيرته جعله يبالغ في فهم معنى الشرف، فالعصبية الجنسية، والأثرة الواضحة في حياتهم وحب الظهور، والمبالغة في معنى الإباء والعزة والشرف، أوجدت فيهم الحمية والجاهلية المشهورة عنهم، فكانوا يثورون لأتفه الأسباب، ويدخلون المعارك والحروب ويزهقون الأرواح في سرعة وتهور، دون أدنى تفكير لمجرد فهم قد يكون خطأ، فرب كلمة لا يريد قائلها بها شرًّا، أو نظرة عابرة غير مقصودة لإحدى فتيات العشيرة، تثير حربًا شعواء بين حيين أو أحياء كثيرة، لاعتقادهم أن شرف القبيلة قد مس أو أن كرامتهم قد أهنيت، وكانت النساء النقطة الحساسة في شرفهم، ومن ثم أحاطوها بسياج متين من القيود والحدود حتى لا يقع لهن أدنى إساءة، وقد بلغ ببعضهم الخوف على شرف نسائهم إلى أن كانوا يقدمون على وأد البنات حتى لا يحدث لهن ما يجلب عليهم العار.

وربما كان من المبالغة في الأثرة والمحافظة على كرامة العرض أن يتزوج الرجل زوجة أبيه بعد وفاته. وأن يجمع بين الأختين أو يتزوج أخت صديقه على أن يزوجه أخته، ونحو ذلك من العادات التي كانت فيهم.

وتنافس القبائل في السيادة والعزة والطموح جعل الفرد منهم محبًّا للزهو ميالًا إلى المباهاة وحب الظهور فدفعهم ذلك إلى ارتكاب كثير من الحماقات التي نتج عنها كثير من المصائب والويلات، ولكن من ناحية أخرى كان داعيًا لتمجيد بعض المثل العليا، فشاع لديهم إكبار الجميل وصنع المعروف ومد يد العون والمساعدة للمحتاجين، أقارب أم أباعد:

أجود على الأباعد باجتداء ... ولم أحرم ذوي قربى وإصر

فأكبروا الإسراع إلي إجابة المستغيث، وحماية اللاجئ وإكرام النازل والدفاع عن الجار، وكانت المبالغة في الإسراف إلى حد الإتلاف، وشرب الخمر، ولعب الميسر، من الأمور التي كان يتباهى بها الجاهليون.

وكان من أثر الحرب وانتشار الفقر والبؤس في البلاد، أن قل الغذاء، وعز الطعام، فأحسوا الجوع ينشب أنيابه بين أحشائهم، ويكاد يفتك بهم، وبخاصة إذا كانوا مسافرين أو عابري سبيل، فقدروا معنى الإنسانية الحقيقية بتقديم ما يحفظ على الإنسان حياته أو يسد

<<  <   >  >>