للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رمقه، أو يروي غلته، لذلك عظموا الكرم وإطعام الطعام، ووصفوا بالكرم عظماء القوم، ومدحوا به، وكان الكرم في مقدمة الفضائل التي يحب العربي أن يتحلى بها.

ومن أعظم المكرمات في تلك الصحراء المترامية الأطراف التي ليس فيها ما يرشد الضال، أو يهدي عابر السبيل، أن يوقدوا نارًا يهتدى بها الضيفان فيعرفون بها منازل القوم، فيفدون إليهم حيث يجدون بينهم النزل السهل، والترحيب الجميل، والمقام الكريم، كأنهم بين العشيرة والأهل.

وفي جنبات الصحراء الواسعة، وبين مرتفعاتها وأوديتها، تجري الحيوانات وتمرح، بين المروج، والأعشاب، فتبدو عليها النضارة والنعمة، مما يسيل لعاب القوم للحومها، فأغراهم ذلك على مطاردتها وقنصها، فكان هناك الصيد والصيادون واشتهر أفراد كثيرون بالصيد.

واقتنوا الجوارح من الحيوانات والطيور كالكلاب والصقور، ودربوها على الطرد والقنص، وقد تردد هذا في الشعر الجاهلي كثيرًا من ذلك قول امرئ القيس١:

فًصبَّحه عند الشروق غُديَّةً ... كلابُ ابن مُرٍّ أو كلابُ ابن سِنْبِسِ

مُغَرَّثَةً، زُرْقًا، كأن عيونها ... من الذَّمرِ والإيحاءِ ثُوارُ عِضْرِسِ

وابن مروان وابن سنبس صائدان من طيئ معروفان بالصيد.

وكان من أثر العصبية القبلية أن وجدت الحرية الشخصية، ولم يكن للحرية الاجتماعية وجود، فشاعت الفوضى، وكانت الغلبة للقوة والبطش، والسيادة للظلم والطغيان. فالضعيف مأكول ومهان، والقوى ظالم ومهاب:

تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتقي صولة المستأسد الحامي

ولم تكن القوة في حد ذاتها كافية، بل كان لا بد من ممارستها، حتى تملأ القلوب رهبة، وتمنع كيد الطامعين:

ومن لم يَذدْ عن حَوضِهِ بِسلاحه ... يُهدم، ومن لا يَظلمِ الناسَ يُظْلَمِ


١ ديوان امرئ القيس ص١٠٣: ٨-٩. صبحه: أتاه صباحًا عند الشروق، مغرثة: مجوعة، يعني الكلاب لتحرص على الصيد وتضرى عليه. الذمر: زجرها وإغراؤها بالصيد. الإيحاء: أن يشار لها إلى الشيء. العضرس: شجر أحمر النور، وعيون الكلاب تضرب إلى الحمرة، يريد إذا أغريت بالصيد فتحت عيونها وقلبتها فتبينت عند ذلك حمرتها.

<<  <   >  >>