فبتلك إذ رقص اللوامع بالضحى ... واجتاب أردية السراب أكامها
أقضى اللبانة لا أفرط ريبة ... أو أن يلوم بحاجة لوامها
وكان ذلك تمهيدًا للحديث عن نفسه بدأه بالقول لحبيبته إنه يصل من يستحق المواصلة، ويقطع من يستحق المقاطعة، ثم استمر قائلًا: إنه يترك الأمكنة التي يكرهها، وكثيرًا ما قضى الليالي الحلوة اللذيذة، وطرد البرد والقحط بالطعام والكساء وإيقاد النيران وهو البطل الحامي الذمار، الكامل العدة والسلاح، تناط إليه حراسة أماكن الخطر في الأوقات العصيبة، ليلًا ونهارًا، ومعه فرسه الكريمة السريعة الجري، القوية النشيطة مهما بذلت من جهد، وكم من مواقف عنيفة قاسية، كثيرة الأخطار، مجهولة العواقب، تصدى لها فأزهق باطلها، وتحمل جميع التزاماتها، وكثيرًا ما دعا في الميسر إلى عقر أسمن النوق وأغلاها وبذل لحمها للمحتاجين، وإذا نزل به الضيف أو الجار الغريب وجد عنده النعيم والخيرات.
أو لم تكن تدري نوار بأنني ... وصال عقد حبائل جذامها
تراك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يرتبط بعض النفوس حمامها
بل أنت لا تدرين كم من ليلة ... طلق لذيذ لهوها وندامها
قد بت سامرها وغاية تاجر ... وافيت إذ رفعت وعز مدامها
وغداة ريح قد وزعت وقرة ... إذ أصبحت بيد الشمال زمامها
ولقد حميت الخيل تحمل شكتي ... فرط وشاحي -إذ غدوت- لجامها
فعلوت مرتقبًا على ذي هبوة ... حرج إلى أعلامهن قتامها
حتى إذا ألقت يدًا في كافر ... وأجن عوارت الثغور ظلامها
أسهلت وانتصبت كجذع منيفة ... جرداء يحصر دونها جرامها
ترقى وتطعن في العنان وتنتحي ... ورد الحمامة إذ أجد حمامها
وكثيرة غرباؤها مجهولة ... ترجى نوافلها ويخشى ذامها
أنكرت باطلها وبؤت بحقها ... يومًا ولم يفخر عليَّ كرامها
وجزور أيسار دعوت لحتفها ... بمغالق متشابه أعلامها
أدعو بهن لعاقر أو مطفل ... بذلت لجيران الجميع لحامها
والضيف والجار الغريب كأنما ... هبطا تبالة مخصبًا أهضامها