حزنها وكآبتها تسمعت صوتًا خفيفًا لناس لا تراهم، والناس دائما مصدر هلاكها فازدادت رعبًا، وأحست أن الخطر محدق بها من كل جانب، فانطلقت بأقصى سرعة، ولكن الصيادين تبعوها، واستمروا في مطاردتها حتى أعياهم إدراكها أو نيلها برماحهم، فأطلقوا عليها كلابًا مدربة ضارية فلما أحست البقرة أن الكلاب على وشك اللحاق بها، التفتت إليهن وأنشبت فيهن قرونها الطويلة الحادة، فصرعت منهن وأصابت.. فسرعة هذه البقرة صورة لسرعة ناقة الشاعر التي بها يقضي حاجته حين يشتد الحر، ويكسو السراب جميع البقاع والوديان والجبال، وبها يؤدي ما عليه من الالتزامات حتى لا يكون عرضة للوم أو العتاب:
أفتلك أم وحشية مسبوعة ... خذلت وهادية الصوار قوامها
خنساء ضيعت الفرير فلم يرم ... عرض الشقائق طوفها وبغامها
لمعفر قهد تنازع شلوه ... غبس كواسب ما يمن طعامها
صادفن منها غرة فأصبنها ... إن المنايا لا تطيش سهامها
باتت وأسبل واكف من ديمة ... يروي الخمائل دائمًا تسجامها
تجتاف أصلا قالصًا متنبذًا ... بعجوب أنقاء يميل هيامها
يعلو طريقة متنها متواترًا ... في ليلة كفر النجوم ظلامها
وتضيء في وجه الظلال منيرة ... كجمانة البحري سل نظامها
حتى إذا انحسر الظلام وأسفرت ... بكرت تزل عن الثرى أزلامها
علهت تردد في نهاء صعائد ... سبعا تؤاما كاملا أيامها
حتى إذا يئست وأسحق حالق ... لم يبله إرضاعها وفطامها
وتسمعت رز الأنيس فراعها ... عن ظهر غيب والأنيس سقامها
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ... مولى المخافة خلفها وأمامها
حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا ... غضفًا دواجن قافلا أعصامها
فلحقن واعتكرت لها مدرية ... كالسمهرية حدها وتمامها
لتذودهن وأيقنت إن لم تذد ... أن قد أحم مع الحتوف حمامها
فتقصدت منها كساب فضرجت ... بدم وغودر في المكر سخامها