ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم
إن كنت أزمعت الفراق فإنما ... زمت ركابكم بليل مظلم
ما راعني إلا حمولة أهلها ... وسط الديار تسف حب الخمخم
فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودًا كخافية الغراب الأسحم
ثم سرد طرفا من أسباب هيامه فقال: إنها ملكت شغاف قلبه بفم جميل، أبيض الأسنان، طيب الرائحة، يفوح العطر من عوارضه:
إذ تستبيك بذي غروب واضح ... عذب مقبله لذيذ المطعم
وكأن فأرة تاجر بقسيمة ... سبقت عوارضها إليك من الفم
ثم قارن بين حاله وحالها، فهي تعيش منعمة وهو يعيش محاربًا، وتمنى أن توصله إليها ناقة قوية لا تحمل ولا ترضع، وتضرب الآكام بأخفافها فتكسرها، وهي نشيطة سريعة لا ترد الماء كثيرًا، وكلما جرت ازدادت نشاطًا وسرعة، كأنما ربط بجنبها هر كبير الرأس يخدشها، وسال عرقها أسود كثيفًا:
تمسي وتصبح فوق ظهر حشية ... وأبيت فوق سراة أدهم ملجم
وحشيتي سرج على عبل الشوى ... نهد مراكله نبيل المحزم
هل تبلغني دارها شدنية ... لعنت بمحروم الشراب مصرم
خطارة غب السرى زيافة ... تطس الأكام بذات خف ميثم
وكأنما أقص الأكام عشية ... بقريب بين المنسمين مصلم
شربت بماء الدحرضين فأصبحت ... زوراء تنفر عن حياض الديلم
وكأنما ينأى بجانب دفها الـ ... وحشي من هزج العشيّ مؤوم
هر جنيب كلما عطفت له ... غضبى اتقاها باليدين وبالفم
وكأن ربًّا أو كحيلًا معقدًا ... حش الوقود به جوانب قمقم
ثم اتجه بالحديث إلى الحبيبة يسرد أخلاقه وسجاياه، قائلًا: إن ترخي قناع وجهك دوني، فإني خبير ماهر بمعاملة الفرسان اللابسين الدروع، وأنا كريم الخلق لين الجانب، إلا إذا ظلمت، فعند ذلك يكون ردي عنيفًا مرًّا، ثم قال لها: إني أستحق الثناء منك لأني سخي