أتى كثير من أخبار السند والهند، وشيء من أخبار فارس. ومن وقع باليمن أتته أخبار الأمم جميعًا لأنه كان في ظل الملوك السيارة.
ولشدة اتصالهم بالصحراء الواسعة الأرجاء المترامية الأطراف، ومظاهرها الطبيعية المختلفة وسمائها الصافية، وشمسها الساطعة، وقمرها الناصع، ونجومها المتلألئة، عرفوا كثيرًا عن صفات الأرض الصلدة والصلبة والحجرية والصخرية، والسهل والجبل، والقمة، والمنحدر، والوهاد والأودية، ومواقع القطر، ومواطن الغيث، ومواسم المطر، ومسيل الماء، ومنابع العيون، وخصائص الحيوان والطير والحشرات والهوام التي في بلادهم، وأنواع الأشجار والنباتات التي تنمو في أرضهم، وعرفوا شيئًا عن النجوم وأبراجها، والكواكب ومسيرها، والرياح وأنواعها، والأعاصير والزوابع ومهابها، وأحوال السحب وأنواع الأمطار والأنواء، وغير ذلك من مظاهر الطبيعة وأحوالها.
ولاعتمادهم على حيواناتهم في حياتهم، عرفوا ما يتصل بهم، وبخاصة الإبل والخيل، فعرفوا أعضاءها، كبيرها وصغيرها، وتركيب أجسامها، وخصائصها، وعرفوا الكثير من أمراضها وعللها وتحايلوا بتجاربهم الكثيرة المختلفة على شفائها فتكون لديهم شيء من علم البيطرة.
كذلك دفعتهم ظروف الحياة إلى إجراء تجارب على أجسامهم حينما كانت تلم بهم العلل والأسقام، فعرفوا شيئًا من الطب، ولكنها كانت خبرات بسيطة وصلت إليهم عن طريق تجارب قاموا هم بها، أو وصلتهم عن طريق التوارث، فكانوا يعالجون بالأشربة المتخذة من العسل والمركبات المصنوعة من بعض الأخلاط، وكان لهم عناية خاصة باستعمال الكي بالنار في كثير من الأمراض، وكذلك الحجامة، وقد اشتهر منهم أطباء مثل الحارث بن كلدة الثقفي، وأصله من ثقيف من أهل الطائف، رحل إلى فارس وتعلم الطب فيها ومارسه وأجاد هذه الصناعة حتى زاولها في بلاد فارس نفسها، واشتهر بعده ابنه النضر بن الحارث، ثم ابن رومية التميمي، وكان جراحًا ماهرًا، وابن حذيم وهو من تيم الرباب، وكان يضرب به المثل في الطب.
ولما كانت القبيلة تعتبر وحدة سياسية واجتماعية كاملة، تعتمد على أفرادها الحقيقيين، فقد اهتموا بحفظ الأنساب وكان اعتمادهم في ذلك على ذواكرهم لعدم شيوع الكتابة والتدوين عندهم، وشاع فيهم القول المأثور: "من لم يعرف النسب لم يعرف الناس، ومن لم يعرف