للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن ثم نرى أن تجار الحيرة واليمن لم يجلبوا معهم السلع الغربية فحسب بل طائفة من الأفكار والعادات التي من شأنها توسيع مدارك المحيط العربي"٢.

وقد حمل التجار معهم شيئًا أهم وأعظم قيمة من التجارة هو حروف الهجاء، الحروف التي أخذ منها الخط الذي كتب به القرآن الكريم، فصار الخط الرسمي للمسلمين، الخط الذي لم يقتصر استعماله على العرب، بل صار خطا لملايين المسلمين الذين تربطهم بالعرب رابطة الدين٣.

ثم إن ارتحال بعض هؤلاء العرب إلى ديار القوم في أعمالهم واتصالاتهم بهم جعل عيونهم تقع على أشياء كثيرة من ظواهر الحضارة والمدنية التي كان يعيش فيها أهل هذه الأمم، وهذا بالطبع يؤثر في حياتهم وتفكيرهم. وقد ظهر هذا الأثر في الإمارات العربية التي كانت شديدة الصلة بالأمم الأخرى كالحيرة وغسان، فقد تحدث التاريخ كثيرًا عن مظاهر الترف والنعيم التي كان يعيش فيها ملوكهما وأمراؤهما لصلتهما الوثيقة بالفرس والروم وسنرى فيما بعد إن شاء الله أن هذا كان له أثر كبير في الأدب العربي، وبخاصة في الشعر والشعراء.

هذا إلى جانب الرقيق الذي كان في ذلك الوقت "بضاعة ضرورية لا بد منها لأهل المال تدر عليهم أرباحًا عظيمة فهم آلات ذلك الزمن، ومصدر من مصادر الاستغلال للحصول على الثروة، كما أنهم سلاح يستخدم للدفاع عن السادة الأثرياء في أيام السلم وفي الحرب". فكان هناك رقيق أسود، ورقيق أبيض، قوم من أصل إفريقي اشتراهم أثرياء مكة للعمل في مختلف الأعمال ولخدمتهم، "والأسرى البيض الذين كانوا يقعون في أيدي الفرس والروم أو القبائل المغيرة على الحدود، فيباعون في أسواق النخاسة، ومنها ينقلون إلى مختلف أنحاء الجزيرة للقيام بمختلف الأعمال. يضاف إلى هؤلاء الرقيق المستورد من أسواق أوروبة لبيعه في أسواق الشرق". ومثل هذه البضاعة "لا بد أن تترك أثرًا في البيئة التي استوردت إليها"٤.


٢ تاريخ الأدب العربي لبلاشير ص ٦٢.
٣ جواد علي جـ٨ ص ١٤٧.
٤ تاريخ الأدب العربي قبل الإسلام لجواد علي جـ٤ ص ١٩٨-١٩٩.

<<  <   >  >>