الجغرافي عامل اتصال بين بعض الأمم الذين لا يمكن اتصالهم إلا عن طريق بلاد العرب. ومن ثم نشطت التجارة في شبه الجزيرة منذ القدم، ووجدت مراكز تجارية هامة في الشمال والجنوب والوسط ومن الشاطئ. وعبرتها القوافل التجارية طولًا وعرضًا، صيفًا وشتاءً تنقل حاصلات اليمن وغيرها من البلاد العربية، وتجارات الهند والحبشة والشام إلى شبه الجزيرة وخارجها، وبالعكس، فكانوا ينقلون من اليمن وحوض المحيط الهندي وأفريقية الشرقية اللبان والطيب والبخور والجلود وثياب عدن النفيسة وتوابل الهند ورقيق إفريقية والصمغ والعاج، كما كانوا ينقلون من الطائف الزبيب.. كل ذلك كانوا ينقلونه إلى حوض المتوسط ويعودون محملين بالأسلحة والقمح والزيت والخمر والثياب القطنية والكتانية والحريرية١، وقد سبق أن ذكرنا السلع التي كانوا يتاجرون فيها.
ثم هذه القوافل التجارية كانت في حاجة إلى من يحافظ عليها ويحميها من غارات الأعداء واللصوص وقطاع الطرق، فاشتدت صلة العرب بغيرهم من الأمم وبخاصة الفرس الروم والحبشة والهند، وقوى هذا الاتصال وبخاصة بينهم وبين الأولين، وجود إمارات عربية في الحيرة وغسان ونجد، فكان ملوك المناذرة والغسانيين وكندة بحكم عربيتهم، وحكم اتصال الأولين بالفرس والغسانيين بالروم، وتأرجح كندة بين هؤلاء وأولئك تبعًا لمصالحهم، غير صلة بين العرب الجاهليين ومملكتي الأكاسرة والقياصرة. واحتلت الحبشة اليمن فترة من الزمن، وحاولت اقتحام الحجاز.
ولا شك أن هذه الاتصالات كان لها أثر كبير في حياة العرب الجاهليين ولغتهم وأدبهم فقد أدخل الحجاج وسائقو القوافل والتجار والأحباش واليمنيون والسوريون والفلسطينيون وأهل ما وراء النهر والإيرانيون مع سلعهم التجارية ألفاظًا وأسماء كثيرة. وبدراسة هذه الأسماء يمكننا أن نعرف أهي من أصل عبراني أو آرامى أو حبشي، أو استعيرت بصفة مباشرة أو غير مباشرة من الإيراني أو اللاتيني، مثل كلمة فردوس "محرفة من اليونانية أو الفهلوية، ومعناها: الحديقة" ودين "من الفهلوية". وسجل "من اليونانية" والصراط "من اللاتينية"، ومن الحبشية:"الرجيم والإنجيل والمنير والحواري".