فنزلن آمنات مطمئنات نزول من هو في أهله ووطنه، وكان منظرهن أنيقًا ساحرًا يخلب لب الباحث عن الجمال:
بكرن بكورًا واستحرن بسحرة ... فهن ووادي الرس كاليد للفم
جعلن القنان عن يمين وحزنه ... وكم بالقنان من محل ومحرم
وعالين أنماطًا عتاقًا وكله ... وراد الحواشي لونها لون عندم
ظهرن من السوبان ثم جزعنه ... على كل قيني قشيب ومفأم
ووركن في السوبان يعلون متنه ... عليهن دل الناعم المتنعم
فلما وردن الماء زرقا جمامه ... وضعن عصي الحاضر المتخيم
وفيهن ملهى للطيف ومنظر ... أنيق لعين الناظر المتوسم
وكأنه حينما وصل إلى هذا المنظر الفتان، سبح به خاطره إلى جمال الخلق وروعة السلوك، وحب الخير والتضحية في سبيل الأمن والاستقرار، فشرع يتحدث عن الساعين في الخير، المحبين للسلام، الداعين إلى الإخاء والصفاء، فأشاد بموقف شخصين عظيمين قاما بعمل جليل، فقال إنهما تحملا ديات القتلى في حرب ضروس، بسببها قطعت الأرحام، وتفرق الأهل وتناحر الإخوان، فأصلحا ما أفسد، وجمعا الشمل, وأقسم بالبيت الحرام إنهما نعم السيدان في جميع الأحوال، وأنهما أصبحا في أعلى الدرجات بين العرب جميعهم، وقال لهما: لقد ضحيتما بكل ما تستطيعان في سبيل السلام وأخرجتما من أموالكما خيرها وأجودها، حتى ملأ البقاع صغيرها وكبيرها بدون أن يكون لكما في الحرب أي اتصال، ولكنه حبكما للخير ورغبتكما في السلام:
سعى ساعيا غيظ بن مرة بعدما ... تبزل ما بين العشيرة بالدم
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله ... رجال بنوه من قريش وجرهم
يمينًا لنعم السيدان وجدتما ... على كل حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبسًا وذبيان بعدما ... تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
وقد قلتما: إن ندرك السلم واسعًا ... بمال ومعروف من القول نسلم
فأصبحتما منها على خير موطن ... بعيدين فيها من عقوق ومأثم
عظيمين في عليا معد هديتما ... ومن يستبح كنزًا من المجد يعظم