فأصبح يجري فيهم من تلادكم ... مغانم شتى من إفال مزنم
تعفى الكلوم بالمئين فأصبحت ... ينجمها من ليس فيها بمجرم
ينجمها قوم لقوم غرامة ... ولم يهريقوا بينهم ملء محجم
ثم وجه الكلام إلى الأحلاف المتحاربين قائلًا: هل أقسمتم أن تفعلوا ما لا ينبغي؟
لا تظهروا الصلح، وفي نيتكم الغدر؛ لأن الله سيدخره لكم ويحاسبكم عليه، إن عاجلًا أو آجلًا وليست الحرب إلا ما علمتموها عن خبرة وتجربة، فقد ذقتموها واكتويتم بنارها، فإذا أثرتموها تأججت وطحنتكم طحن الرحا، ولن تخلف لكم إلا المحن والمصائب والآلام:
ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة ... وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
فلا تكتمن الله ما في صدوركم ... ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ... ليوم الحساب أو يعجل فينقم
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة ... وتضر إذا ضريتموها فتضرم
فتعرككم عرك الرحى بثقالها ... وتلقحْ كشافًا ثم تنتجْ فتتئم
فتغللْ لكم ما لا تغل لأهلها ... قرى بالعراق من قفيز ودرهم
ثم قال: إنما نريد الصلح بين قوم كثيري العدد، إذا ائتمروا أمرًا كان عصمة للناس وهم كرام أقوياء، لا ينال الموتور وتره منهم، ولا يسلم من ارتكب في حقهم جريمة، وتركوا الحرب مرة، ثم رجعوا فحاربوا، فدبت المنايا فيهم، وكانت العاقبة وخيمة، وقد جنى أحدهم جناية فجر إليهم ما لا ينبغي، إذ أضمر في نفسه فعلة، فلم يظهرها، ولم يترك تنفيذها، وفعل ما أراد، لا لقصد إثارة العامة ولكن للأخذ بالثأر، من بطل عظيم، قومه يستحقون أحسن الثناء وأعظم التقدير:
لحي حلال يعصم الناس أمرهم ... إذا طرقت إحدى الليالي بمعظم
كرام فلا ذو الظعن يدرك تبله ... ولا الجارم الجاني عليهم بمسلم
رعوا ما رعوا من ظمئهم ثم أوردوا ... غمارًا تفرى بالسلاح وبالدم
فقضوا منايا بينهم ثم أصدروا ... إلى كلأ مستوبل متوخم