لعمري لنعم الحي جر عليهم ... بما لا يواتيهم حصين بن ضمضم
وكان طوى كشحًا على مستكنة ... فلا هو أبداها ولم يتجمجم
وقال سأقضي حاجتي ثم أتقي ... عدوي بألف من ورائي ملجم
فشد ولم ينظر بيوتًا كثيرة ... لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم
لدى أسد شاكي السلاح مقذف ... له لبد أظفاره لم تقلم
جريء متى يظلم يعاقب بظلمه ... سريعًا وإن لم يبد بالظلم يظلم
وكأنما خشي الشاعر أن تطل الفتنة برأسها من جديد، فذكر المتحاربين مرة ثانية بأن الذين تحملوا ديات القتلى لم يرتكبوا فيها أية جناية، وإنما تبرعوا بأموالهم حبًّا في السلام ورغبة في الصلح، فدفعوا ديات جميع من طلبت لهم ديات، ومنهم من لم يقتل في الحرب، وقدموا عن طيب خاطر ألوف الإبل أفواجًا بعد أفواج.
لعمرك ما جرت عليهم رماحهم ... دم ابن نهيك أو قتيل المثلم
ولا شاركت في الحرب في دم نوفل ... ولا وهب فيها ولا ابن المخزم
فكلا أراهم أصبحوا يعقلونه ... علالة ألف بعد ألف مصتم
ثم أراد أن يتم المشروع بنجاح عظيم، وينفذ تنفيذًا صحيحًا كاملًا عن رضًا تام واقتناع حقيقي من جميع الأطراف، فساق لهم حكمًا تساعد على ذلك، فيها: أن من يرفض الصلح فسوف يكتوي بنار الحرب، والموفون بالعهود محمودون مكرمون، والميالون للخير يحبون السلام، والحذر لا ينجي من القدر، والبخيل بالفضل على أهله منبوذ ومذموم، ومهين نفسه مهان، ولا عز للمرء إلا بقومه، والضعيف مأكول، والقوي مهاب، وتارك المجاملة للناس في أكثر الأمور يصاب بما يكره. وصانع المعروف حفاظًا على الشرف مصون العرض. محفوظ الكرامة والجزاء من جنس العمل:
ومن يعص أطراف الزجاج فإنه ... يطيع العوالي ركبت كل لهذم
ومن يوف لا يذمم ومن يفض قلبه ... إلى مطمئن البر لا يتجمجم
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ... ولو رام أسباب السماء بسلم
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ... على قومه يستغن عنه ويذمم