ومن يغترب يحسب عدوًا صديقه ... ومن لا يكرم نفسه لم يكرم
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
ومن لم يصانع في أمور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
ثم ختم قصيدته بأن ما قاله إنما هو من واقع تجاربه وخبرته بالحياة. فقد حلب الدهر شطره، وعرك الحياة وعركته، وعرف خيرها وشرها، وخير للمرء أن يفيد من تجارب السابقين، ويجعل من أيام حياته هدوءًا وأمنًا بكل ما يستطيع، فالموت يأتي بغتة فمن مات فلن يعود، ومن عاش فإلى حين وإن عمر وهرم، وكل ما خفي يظهر، ولا مجهول إلا المستقبل:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عم
هذه معلقة زهير بن أبي سلمى، وكأنها رمز إلى ميل النفس وارتياحها لكل مظاهر الأمن والسلام، فهي تصوير لروح خيرة، خبرت الحياة، فأحبت السلام، وعظمت أهل السلام، ودعت إلى السلام مهما تغيرت الظروف والأحوال، فمن طبيعة الحياة التقلب والتغير، ولكن لا متعة في الحياة إلا بالسلام العادل الصحيح، وليكن السلام من حق كل من في الوجود من الإنسان إلى الجماد، فالشاعر يرى الديار وما آلت إليه، وقد سكنتها الوحوش في أمن واستقرار، فيدعو للربع بالسلام، ويتابع الظعائن حتى يصلن إلى مكان يصلح للإقامة في أمن وسلام، والساعون في الصلح كرام عظماء لتضحيتهم في سبيل السلام، والمتحاربون عليهم أن يثوبوا إلى رشدهم، ويفتحوا عيونهم على ما نزل بهم ويقف كل منهم عند حده، فيعرفوا أن لا قيمة للحياة إلا بالسلام في ظل العدل والمبادئ القويمة.