للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي عصر الأمويين، اشتد شغفهم بالأدب، ومما يروى في ذلك أن "الأصمعي ذكر يومًا بني أمية وشغفهم بالعلم، فقال: "كانوا ربما اختلفوا، وهم بالشام، في بيت من الشعر، أو خبر، أو يوم من أيام العرب، فيبردون فيه بريدًا إلى العراق"٢٣. وكان خلفاء بني أمية وحكامهم يشتهرون بحب الأدب وعقد المجالس الأدبية للمنافسة في صنع الأدب وراويته، فمعاوية وهو أولهم كان مولعًا بمعرفة أخبار الماضين فاستدعى عبيد بن شرية الجرهمي من صنعاء اليمن, وأخذ يسأله عن الأخبار المتقدمة والملوك السالفة، وغير ذلك، فأعجب معاوية، وأمر أن يدون وينسب إلى عبيد بن شرية٢٤. وأشرنا آنفا إلى موقف من مواقف الوليد بن يزيد مع حماد الراوية. ويقال إن زياد بن أبيه بعث بولده إلى معاوية، فكاشفه عن فنون من العلم، فوجده عالمًا بكل ما سأله عنه، ثم استنشده، فقال: لم أرو منه شيئًا، فكتب معاوية إلى زياد. ما منعك أن ترويه الشعر، فو الله إن كان العاق ليرويه فيبر، وإن كان البخيل ليرويه فيسخو، وإن كان الجبان ليرويه فيقاتل٢٥.

ولم يكن حال المجالس الأدبية في العصر العباسي أقل شأنًا مما كانت عليه أيام الأمويين، وليس هذا مكان الحديث عن الأدب في العصور التالية للعصر الجاهلي، ولكن لا ينبغي لنا أن نغفل في حديثنا عن رواية الأدب الجاهلي الإشارة إلى أن الاهتمام بالأدب وسماعه رواية ومشافهة كان من أهم مظاهر المجالس والمحافل في العصر الإسلامي وزمن الأمويين والعباسيين، وتزخر كتب الأدب والتاريخ بالكلام المستفيض عن مظاهر الاهتمام بالأدب وروايته في هذه العصور.

فبجانب اهتمام عشائر الأدباء وأصدقائهم بالآثار الأدبية التي ينتجونها، والعمل على نشرها وحفظها، وجد كثير -من غير الأهل والأصدقاء- يعشقون الأدب، يحفظونه ويروونه، حتى اتخذه قوم منهم حرفة ومهنة لهم، فوجدت طبقات من الرواة لم يكن لديهم الموهبة على صنع النصوص الأدبية، ولكن خصصوا أنفسهم لحفظ الأدب، فلم يكونوا منقطعين لأديب خاص أو أدباء معينين، كما سبق أن رأينا في بعض السلاسل الأدبية التي أشرنا إليها آنفاً، ولكنهم، عملوا على أن يحفظوا أكبر قدر مستطاع من الأدب من غير تحديد لأشخاص أو


٢٣ العسكري: التصحيف والتحريف ص٤.
٢٤ الفهرست ص ١٣٨.
٢٥ العقد الفريد جـ ٦ص ١٢٥.

<<  <   >  >>