للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول أبو محمد القاسم بن محمد بن بشار الأنباري في أول شرح المفضليات: "أملى علينا عامر بن عمران أبو عكرمة الضبي هذه القصائد المختارة المنسوبة إلى المفضل بن محمد الضبي أملاه مجلسًا مجلسًا، من أولها إلى آخرها، وذكر أنه أخذها عن أبي عبد الله محمد بن زياد الأعرابي، وذكر أنه أخذها عن المفضل الضبي. قال أبو محمد: وكنت أسأل أبا عمرو بندار الكرخي, وأبا بكر العبدي، وأبا عبد الله محمد بن رستم، والطوسي وغيرهم، عن الشيء بعد الشيء منها، فيزيدونني على رواية أبي عكرمة البيت والتفسير، وأنا أذكر ذلك في موضعه إن شاء الله. فلما فرغنا منها صرت إلى أبي جعفر أحمد بن عبيد بن ناصح، فقرأتها عليه إلى آخرها، شعرها وغريبها، فأنكر على أبي عكرمة أشياء، أنا مبينها في موضعها، ومسند إلى أبي جعفر ما فسر وروى، في موضعه إن شاء الله، والمعين الله عز وجل، والحول والقوة به: وعمود الكتاب على نسق أبي عكرمة وروايته.. وحدثت أن أبا جعفر المنصور تقدم إلى المفضل في اختيار قصائد للمهدي، فاختار له هذه القصائد فلذلك نسبت إلى المفضل"١٧.

هذه روايات مختلفة، منها ما ينسب اختيارها كلها للمفضل، ومنها ما ينسب إليه اختيار بعضها، ومنها ما يشرك معه فيها الأصمعي، وهي رواية الأخفش. ويرى الدكتور شوقي ضيف أن ذلك كان من الأخفش، وأنه فعل ذلك بعامل التنافس بين البصريين والكوفيين، فالأخفش البصري يريد أن يقول إن المفضليات من صنع البصريين والكوفيين جميعًا لما كان لها من شهرة في عصره فاقت شهرة الأصمعيات. ثم يقول الدكتور شوقي ضيف: ولو أنه اطلع على رواية ابن الأعرابي خصم الأصمعي لزايله هذا الوهم١٨. ولكن ألا يرى الدكتور شوقي أن في عداوة ابن الأعرابي للأصمعي ما قد يمس النزاهة بين ابن الأعرابي والأصمعي؟ ألا يجوز أن يكون ابن الأعرابي لتحامله على الأصمعي أراد أن يحرم الأصمعى حق مشاركته في الاختيار؟

على كل، هذا خلاف شكلي لا يمس جوهر الموضوع، فالقصائد التي تتضمنها هذه المجموعة أصيلة، وأهل للثقة والاعتماد عليها، سواء نسب اختيارها إلى المفضل، أو إليه والأصمعي، فكلاهما ثقة، أمين، صادق في روايته.


١٧ المفضليات: دار المعارف سنة ١٩٦٣، ص١٢.
١٨ تاريخ العصر الجاهلي، ص١٧٧.

<<  <   >  >>