والحق أن المجموعات والمختارات التي تحدثنا عنها، تعتبر من مصادر الشعر الجاهلي المهمة فقد جمعت كثيرًا من القصائد الطوال بأجمعها، وعددًا كبيرًا من القطع القصيرة التي تحتوي على المعاني السامية، والعواطف النبيلة، والصور الرائعة, وهي في مجموعها لو درست دراسة شاملة، لأعطت صورة واضحة عن العصر الجاهلي، كما أنها حفظت لنا أسماء كثير من الشعراء لولاها لضاعوا في زوايا النسيان والإهمال. ويبدو أن أصحاب الاختيارات القصيرة، رأوا أن هناك كثيرًا من المجموعات اهتم جامعوها بالقصائد الطوال. وكأنهم أحسوا أن ذلك ربما كان مدعاة للسأم أو الملل أو انصراف القارئ عنها فأحبوا أن يجددوا في الاختيارات، مع تنويعها وتخليد ذوي المواهب الذين لم يتح لهم من الشهرة والذيوع ما أتيح لأصحاب الطوال المعروفات. فاكتفوا بالبيت الواحد، أو الأبيات المعدودات في كل مقطعة، وأكثروا من ذلك.
وبذلك أصبحت مجموعات الاختيارات كلها تتضمن القصائد الطوال والمقطعات القصار، وتضم الشعراء المشهورين والمغمورين، وجميعهم من ذوي المواهب الأدبية، فاكتسب الجميع الشهرة، وكتب لهم الخلود، ووقفنا على انتشار الروح الفنية الأدبية في العصر الذي نحن بصدد دراسته. وحفظت لنا سجلًّا أدبيًّا ممتازًا لذلك العصر. فهي مصدر من مصادر الأدب في العصر الجاهلي.
الدواوين الشعرية:
أما الدواوين الشعرية للعصر الجاهلي، فهي نوعان: دواوين القبائل، ودواوين الأفراد.
دواوين القبائل:
إذا رجعنا إلى كتب التراجم والأخبار والتاريخ، نجد أنه قد كان هناك كتب كثيرة ألفها الرواة والعلماء، تجمع أشعار القبائل وأخبارها، لكل قبيلة كتاب خاص، وربما كان عدد كبير من هذه الكتب من تأليف شخص واحد بنفسه، كما نرى مثلًا في ترجمة أبي عبيدة