ويمكن أن نفهم مما كتب عن القبائل، في المجال الأدبي وبخاصة الشعر، أن كل قبيلة كانت تحاول أن يكون لها كتاب يجمع أخبارها وأشعارها، يدل على ذلك هذا الثبت الكبير الضخم الذي يذكر في ترجمة أعلام الرواة والعلماء الذين عنوا بجمع الأشعار والأخبار. ومن ثم، نتوقع أن يكون هناك كتب في هذا المجال بعدد القبائل العربية في العصر الجاهلي. وبهذا يكون ما ذكر في كتب التاريخ والأدب منها، ليس إلا جزءًا من تراث القبائل الجاهلية، لأن هناك كثيرًا من القبائل الجاهلية لهم شعراء مشهورون، ولكن لم يرد باسم القبيلة كتاب يجمع أخبارها وأشعارها.
ومع أن المفهوم من كتاب القبيلة أن يجمع أشعار كل شعرائها، فإننا نجد أحيانًا في كتب التاريخ ما يدل على أن كتاب القبيلة قد يخلو من بعض أشعار أبنائها. ومن ذلك مثلًا، ما تجده في كتاب "المؤتلف والمختلف" للآمدي، إذ يذكر بعض الشعراء، ويقول "إنه لم يجد لهم في كتب قبائلهم ذكرًا". وأحيانًا يقول:"وأظن شعره درس فلم يدرك"٢٦.
وإذا كان الأمر كذلك، كان معناه أن هذه الكتب الكثيرة لا تضم جميع النتاج الأدبي لجميع القبائل العربية، بل تنقص منه أشياء رغم حرص القبائل والرواة على ألا يفوتهم من ذلك شيء.
وعناوين الكتب التي ورد ذكرها إلينا تبين أن الواحد منها كان يسمى "كتاب بني فلان" أو "أشعار بني فلان" ويفهم من هذا أن الكتاب إذا كان عنوانه "أشعار بني فلان" كان يقتصر على ذكر الشعر وما يتصل به، كما نرى في الأثر الباقي لنا من ذلك، وهو "شعر الهذليين". أما إذا كان عنوانه "كتاب بني فلان" فيفهم منه أنه يحوي أخباراً، وآثارًا أدبية. وكل ما يتصل بالقبيلة من أمور مهمة كقصص وأحاديث وأنساب.
وإذ كنا -مع هذه الكثرة التي توقعناها في كتب القبائل- لا نجد في كتب الأدب والتاريخ إلا ذكرًا لعدد قليل منها. فإننا كذلك لم يصل إلينا مما ذكر من هذه الكتب إلا شعر الهذليين.
وإذا رجعنا إلى ما قيل عن عدد شعراء هذيل، تبين لنا أن الكتاب الذي وصل إلينا ويحمل عنوان أشعار الهذليين أو ديوان الهذليين، لا يحتوي على شعر جميع شعرائها