فسدوا ذلك الموضع بالحجارة الصلبة والرصاص. فكانت تتجمع هناك مياه العيون والسيول، ثم إذا أرادوا سقي زرعهم فتحوا من ذلك السد بقدر حاجتهم بأبواب محكمة"١٦. وظل السد يؤدي مهمته، حتى كانت اليمن بفضله وغيره من مصادر المياه جنة وارفة الظلال١٧: أرض خصبة، وهواء طيب، وزروع وبساتين كثيرة الخيرات والثمار، ولكن القوم انغمسوا في ملذاتهم ولهوا بدنياهم، وتنازع الأقيال بعضهم مع بعض، ولم يولوا النواحي الداخلية ما تستحق من العناية والاهتمام، ومن هذه النواحي شئون المياه وري الأراضي الزراعية، فأغفلوا ترميم السدود على مر الزمن، حتى تسرب إليها الفساد، فكان سيل العرم الذي خرب البلاد، وهاجر القوم، فتفرقوا في مواطن أخرى.
وكان لسبأ أولاد كثيرون أشهرهم حمير وكهلان، ومن أولاد حمير التتابعة، هؤلاء كانوا ملوكًا في عصور متعاقبة، ولم يكن الملك منهم يسمى تبعًا إلا إذا ملك اليمن والشحر وحضرموت وإلا سمي ملكًا.
وكان منهم بلقيس صاحبة الصرح التي وردت قصتها مع سيدنا سليمان عليه السلام في القرآن الكريم, ومنهم ذو نواس الذي تسمى يوسف وتعصب لليهودية، وأراد إرغام أهل نجران عليها، وقد كانوا -من بين العرب- يدينون بالنصرانية التي جاءتهم على يد أحد أتباع الحواريين، فامتنع أهل نجران عن اعتناق اليهودية، فأضرم لهم النار وحرق كثيرًا منهم، وكان ذلك سببا لاحتلال الحبشة أرض اليمن، ثم احتلها الفرس بعدهم، إلى أن ظهر الإسلام وافتتحها المسلمون.