للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الوضع والاختلاق، فالعلماء كانوا في حاجة إلى الشواهد في تفسير الغريب ومسائل النحو١٨ ويذكر أن الكوفيين اتهموا بأنهم كانوا أكثر الناس وضعًا للشعر الذي يستشهدون به لضعف مذهبهم، وتعلقهم بالشواذ، واتخاذهم منها أصولًا يقاس عليها، فكانوا يتخذون من الشاذ أصلًا١٩، ويقال: إن أول من سن لهم هذه الطريقة شيخهم الكسائي، ولهذا يقولون إن الكوفيين اضطروا إلى الوضع فيما لا يصيبون له شاهدًا إذا كان العرب على خلافهم، ولذلك كثيرًا ما نجد في شواهدهم من الشعر ما لا يعرف قائله، بل ربما استشهدوا بشطر بيت لا يعرف قائله.

ويتعرض كذلك للشواهد التي كان يخترعها بعض المتكلمين والمعتزلة ليستشهدوا بها على آرائهم٢٠، ويذكر ما جاءوا به ليثبتوا أن معنى الكرسي هو العلم في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض} ، إذ قالوا شطر بيت لشاعر مجهول: هو:

ولا بكرسي علم الله مخلوق

ثم ذكر أثر القصص في انتحال الشعر، فقال: إن القصاصين لما كثروا واضطروا أن يضعوا الشعر لما يلفقونه من الأساطير، ليثبتوا تلك الأساطير في أفئدة العامة، فوضعوا الشعر على آدم، ومن دونه من الأنبياء، ثم جاوزوا ذلك إلى عاد وثمود، كما أن للأعراب شعرًا ينسبونه إلى الجن٢١.

ثم عرض ما قيل في شأن الرواية، والرواة فقال: إن الاتساع في الرواية كان من أسباب الوضع، فالرواة كانوا يتهافتون على الشعر، ويتسابقون على روايته؛ لأنه عمود الرواية وزينتها، وكان التسابق فيه من جهتين: الاتساع في الرواية، ومعرفة تفسيره والبصر بمعانيه.

ويذكر أن بعض الفحول من الرواة كانوا يحبون أن يتسعوا في روايتهم، فيستأثروا بما لا يحسن غيرهم من أبوابها، إظهارًا لتفوقهم، وأنهم يعرفون ما لا يعرف غيرهم، وأن ذاكرتهم أقوى من سواهم، ولذلك كانوا يضعون على فحول الشعراء قصائد لم يقولوها، ويزيدون في


١٨ المصدر السابق، ص٣٦٩.
١٩ المصدر السابق، ص٣٧٠.
٢٠ المصدر السابق، ص٣٧٣.
٢١ المصدر السابق، ص٣٧٦.

<<  <   >  >>